لايمكن استيعاب الواقع الغربي الحالي للمدارس غير المختلطة (المنفصلة) إلا بتصور عام عن الخلفية التاريخية لتطورات هذا الأسلوب التعليمي.
فمع تنامي هيمنة حركات المساواة في منتصف القرن الماضي -حيث كانت مزاج العصر- انتشرت المدارس المختلطة بشكل واسع جداً في المجتمع الغربي، وتعرضت المدارس غير المختلطة (المدارس المنفصلة) لنقد حاد باعتبارها جزء من التمييز على أساس الجنس، وأصبحت تلك المدارس المختلطة هي السمة الطاغية، وانتصر هذا النمط التعليمي حتى أن أحد الراصدين يرى أنه بعد العام (1945م) لم يكن هناك إلا نقاش محدود جداً حول جدوى التعليم المختلط ( Weinberg,1981).
بينما يشير الدكتور بريهوني –المتخصص في تاريخ التعليم في كلية إدجيل للتعليم العالي- إلى أن انتشار "التعليم المختلط" في النصف الأول من القرن العشرين لم يتغلب على نظيره لأسباب تعليمية أو اجتماعية بشكل رئيسي، بقدر ما هي أسباب اقتصادية ( Brehony,1984)
• وتطور تنامي اتجاه المدارس المختلطة في الولايات المتحدة إلى أن ظهر في مطلع السبعينات قانون يحد كلياً من برامج التعليم غير المختلط (المدارس المنفصلة) على أساس المساواة بين الجنسين وهو القانون المسمى ( Title IX,1972) .
وبطبيعة الحال أصبح "التعليم المختلط" معطى بحثي أثار شهية الدارسين الاجتماعيين والمعنيين بشؤون التعليم، وانفجر منذ أواخر السبعينات وما يليها العديد من النتاج العلمي حول الموضوع كما يصور د. جنيفر شو ذلك فيقول (في السنوات القليلة الماضية ظهر تيار متواصل من التقارير البحثية والمقالات الصحفية التي تعيد فحص جدوى التعليم المختلط وغير المختلط) ( Shaw,1984).
• ومع بدء بروز المشكلات المصاحبة لنمط التعليم المختلط، وعدم بروز تلك النتائج الإيجابية المبالغ فيها التي راهن عليها أنصاره، تناقص الحماس الشعبي العارم لهذا النمط من التعليم، وبدأ يتزايد الطلب الاجتماعي على المدارس غير المختلطة (المنفصلة) حتى أنه في التسعينات كما يصور ذلك في الولايات المتحدة البروفوسور سالومون –وهي أستاذة القانون الدستوري والإداري بجامعة سانت جونز في نيويورك- حيث تقول:
• (وفي نفس الوقت-أي في التسعينات- تزايد الاهتمام بالتعليم غير المختلط بين مدارس القطاع الخاص، فبين العام 1998 و العام 1999 لوحدها زاد التسجيل في مدارس الفتيات المستقلة بنسبة 4.4%. وأما في مدرينة نيويورك، بما تحمله من كثافة للمدارس الخاصة، فقد قفزت الطلبات إلى نسبة ضخمة تصل إلى 69%. ومن الواضح أن ثمة أمراً ما أقنع أولياء أمور الطلاب بأن المدارس غير المختلطة تمثل استثماراً جيداً في مستقبل بناتهم) ( Salomone, 2003) .
• ومع هذا الطلب الاجتماعي إلا أنه في واقع الحال ظل هامشياً بسبب تلك التنظيمات التي حدت منه في التعليم العام، ولكن مع ازدياد ضغوط أنصار هذا الاتجاه ظهر في الولايات المتحدة عام 2002م تشريع فيدرالي جديد يعزز ضمن مواده نظام التعليم غير المختلط، ويدعمه ببرامج تمويلية، وهو القانون المسمى ( NCLB,2002)، وبعد ذلك تزايدت المدارس غير المختلطة في أمريكا حتى بلغت إلى شهر نوفمبر 2009 –بحسب إحصائيات المنظمة الوطنية للتعليم العام غير المختلط- أكثر من 547 مدرسة عامة غير مختلطة ( NASSPE,2009).
• وأما في بريطانيا فلم يظهر من الأصل قانونٌ يفرض التعليم المختلط، ولذلك بقي جزء من مدارسها محافظاً على النظام غير المختلط (المدارس المنفصلة)، ويقدرّها البروفيسور سميثرز –أحد ألمع خبراء التعليم في بريطانيا- بأنها تزيد على 400 مدرسة تعمل بنظام التعليم غير المختلط ( The Observer,2006)، ولذلك يبدي أستاذ علم الاجتماع في جامعة سوسكس د. جنيفر شو هذه المقارنة ببقية الدول الغربية فيقول:
(على الرغم من أن بريطانيا ليست منفردة في هذا المجال، فإن الفصل الجنسي في مدارسها أصبح مظهراً متميزاً بحيث يضع نظامها للتعليم الثانوي بعيداً عن عدد من الدول المتقدمة التي يعتبر التعليم المختلط فيها مسألة طبيعية، كما في الولايات المتحدة على سبيل المثال) ( Shaw,1984).
¥