تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

البخاري ومسلم ونحن نوافق على صحة تلك الأحاديث، ولكن لا نوافق على قوله (ومنها ما وجد بخط فلان) لأنه معلول كما تقدم بعلل اقتضت ضعفه، كما لا نوافق على الجزم بأن الطائفة القائمة بالحق هي بخصوص مدينة فاس ومن حولها كما يرى الشيخ عليش، لأن المتقدمين الذي هم أعلم الناس بكلام النبوة وأدراهم بمقاصد الشرع من ذهب منهم بحسب ما ظهر له إلى تعيين الطائفة المذكورة، قال إنها بالشام وينسب إلى معاذ، وقال آخرون هي العرب مستدلين بما في بعض روايات مسلم (لا تزال طائفة من أهل الغرب) والغرب هي الدلو الكبير لاختصاص العرب بها غالبا، كما تقدم للنووي ...

فلو كان حديث مدينة فاس صحيحا لما ذهب المتقدمون من هؤلاء إلى التأويلات والاستنباطات ...

ومن هذا كله يتبين بوضوح أن حديث القرطاس والفتاوى العليشية ضعيف لا ينبغي أن نعتمد عليه في حفظ الإقليم المغربي من تسلط العدو."

بلقاسم ابن الشيخ الطيب المهاجي

قال الشيح المهاجي (105):" .. وكان أول شهيد استشهد من أبناء الجزائر في سبيل الوطن، هو ولدنا السيد القاسم، وباستشهاده نالني من الكوارث التي حلت بالجزائر الحظ الأوفر، والنصيب الأكثر، إن لم أقل أُصبت بما لم يصب بمثله غيري، فقد كان هذا الولد البار الأنجب هو ثمرة عملي ومنتهى أملي، ورزقي الحسي والمعنوي، الدنيوي والأخروي، حفظ القرآن وهو ابن تسع سنوات وحاز شهادة اللغة الفرنسية وهو ابن ثلاث عشرة سنة، ثم صار يحضر دروسي المتنوعة بجد واجتهاد ومزيد اعتناء مع ذكاء القريحة والفهم الثاقب والحرص الدائم حتى حصل على ما عندي، ثم سافر إلى حاضرة تونس فتلقى بالكلية الزيتونية من أساتذة أجلة ما وافق مشربه واصطفاه لنفسه من العلوم الراقية، ثم تاقت نفسه الوثابة إلى المزيد، وقد ورد (منهومان لا يشبعان، منهوم بالمال ومنهوم بالعلم) فخرج يؤم القاهرة برخصة حصل عليها من تونس بعد مشقة، والتحق بكلية العلوم من جامعة فؤاد بعد امتحانات اختبرت بها مقدرته فاستغرقت إقامته بهذه الكلية وما أدراك ما هذه الكلية أربع سنوات، نال فيها شهادة عالية، وقد شارك في علوم الكلية على اختلاف أنواعها ثم تخصص في آداب اللغة، وكان بعد تمكنه من إتقان القواعد العربية وقوانينها العاصمة للسان من الخطأ يحسن خمس لغات أجنبية في مقدمتها اللغة الانجليزية، وقد أشار إليه بعض أساتذة الكلية بأن يتجنس بالجنسية المصرية ليتاح له التدريس بالقطر المصري فأبى إلا أن يبقى على جنسيته الجزائرية، ثم عرض عليه التدريس بالكويت فوقف ذلك على استشارتي فأبيتُ وحتمتُ عليه العود إلى الوطن الذي هو في الوقت الحاضر أحوج ما يكون لأمثاله، فامتثل وعاد من فوره يحمل علما نافعا ومعارف واسعة، جالبا معه كمية كبيرة من الكتب في علوم مختلفة جلها في علم الاجتماع والاقتصاد والعلوم الطبيعية بالعربية والانجليزية والفرنسية، ...

... وهكذا بعدما اجتمع شملي، وقرت عيني ببلوغ أملي وتمت علي نعمة ربي بولد كنت أرجو أن لا ينقطع عملي بواسطة دعائه لي بعد مماتي، وقد ورد (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث إحداهما ولد صالح يدعو له) بعد هذا كله قُبض عليه، ولم يمض على عودته من مصر سوى أربعة أشهر، وفي اليوم الثالث من قيام الثورة الجزائرية هجم عليه البوليس السري وساقه إلى السجن ثم سَلط عليه أعوانه القساة القلوب الغلاظ الطبع، فعذبوه عذابا لا أظن أن أحدا عُذب مثله، على أمل أن يبيح لهم بأسرار جبهة التحرير الوطني التي هو واحد من رجالها، ومن كبار المسيرين لها، وكان يتردد بين القاهرة وباريس لمأموريات تكلفه بها الجبهة، وكانت الحكومة الفرنسية على علم من ذلك كله بواسطة عيونها والمتزلفين لها، لهذا قبضت عليه بمجرد قيام الثورة ونكلت به تنكيلا على ما ذكرنا، ولما أعياها أمره بعد تهديده بالقتل وبعد تصميمه على التضحية بنفسه العزيزة، نقلته إلى الجزائر العاصمة ليجدد له البحث هناك، ولكنه نُقل ميئوسا من حياته، إذ لم يلبث في إدارة البوليس السري بالعاصمة إلا عشية أوضحاها حتى زهقت روحه الغالية، وذهبت نفسه الزكية من شدة آلام المعاملة القاسية التي كان يُعامل بها في سجن إدارة البوليس بوهران، ولقد عصمه الله تعالى من أن يعامل بمثلها في العاصمة فنقله إلى جواره بعدما أكرمه بالشهادة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير