ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه , ثم أمرنا الله أن نتبع رسوله ونطيعه , وكان مما وصف به هذا الرسول انه
معصوم ومنزه عن كل ما يطعن في نبوته وتبليغه عن الله , بخلاف غيره من أتباعه الذين هم على جلالة قدرهم وعلو
منزلتهم غير معصومين , سواء من يوم أن بعث بابي هو وأمي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) إلى يومنا هذا ,
ولم يدع أهل السنة أن هؤلاء العلماء (أتباع نبيه) معصومون ولا أن كلامهم وحي منزل , بل لم
يدع هذا العلماء أنفسهم على ورعهم وتقواهم , وكونهم غير معصومين لا يعني الطعن فيهم والانتقاص من قدرهم ,
فالوالدين لكل إنسان هما شخصيتان غير معصومتان وانتفاء العصمة عنهما لا يعني عدم التأدب ومصاحبتهم
بالمعروف واحترامهم وتقديرهم كما هو معلوم , وهذا ليس مقتصرا على الوالدين بل الصغير للكبير كذلك وهذا أمر
مشهور معلوم , وعليه فهناك فرق بين احترام العالم وتقديره وبين تقليده فالتقدير لا يلزم منه التقليد , ومعلوم أن العلماء رحمهم الله
تعالى قد اختلفوا في بعض مسائل الشرع , وهذا الاختلاف له أسبابه كعدم علمه بضعف الحديث , أو عدم بلوغه الحديث , أو ربما
وقف على الحديث لكنه لم يطلع على طرقه الأخرى لعدم وجود جميع الكتب بين يديه , او معرفته لكن نسيه لبشريته , أو عدم معرفته
بان الحديث منسوخ , وأسباب الاختلاف كثيرة ذكرها بتفصيلها والأمثلة عليها العلامة البحر شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه (رفع
الملام عن الأئمة الأعلام) وفي كتابه (منهاج السنة النبوية) قائلا: فإن هؤلاء الأئمة لم يكونوا في عصر
واحد بل أبو حنيفة توفي سنة خمسين ومائة ومالك سنة تسع وسبعين ومائة والشافعي سنة أربع ومائتين وأحمد بن حنبل سنة إحدى
وأربعين ومائتين وليس في هؤلاء من يقلد الآخر ولا من يأمر بإتباع الناس له بل كل منهم يدعو إلى متابعة الكتاب والسنة وإذا قال
غيره قولا يخالف الكتاب والسنة عنده رده ولا يوجب على الناس تقليده , وإن قلت إن أصحاب هذه المذاهب اتبعهم الناس فهذا لم
يحصل بموطأة بل اتفق أن قوما اتبعوا هذا وقوما اتبعوا هذا كالحجاج الذين طلبوا من يدلهم على الطريق فرأى قوم هذا دليلا خبيرا
فاتبعوه وكذلك الآخرون , وإذا كان كذلك لم يكن في ذلك اتفاق أهل السنة على باطل بل كل قوم منهم ينكرون ما عند غيرهم من الخطأ
فلم يتفقوا على أن الشخص المعين عليه أن يقبل من كل هؤلاء ما قاله بل جمهورهم لا يأمرون العامي بتقليد شخص معين غير النبي
صلى الله عليه وسلم في كل ما يقوله والله تعالى قد ضمن العصمة للأمة فمن تمام العصمة أن يجعل عددا من العلماء إن أخطأ الواحد
منهم في شيء كان الآخر قد أصاب فيه حتى لا يضيع الحق ولهذا لما كان في قول بعضهم من الخطأ مسائل كبعض المسائل التي
اوردها كان الصواب في قول الآخر فلم يتفق أهل السنة على ضلالة أصلا وأما خطأ بعضهم في بعض الدين فقد قدمنا غير مرة أن هذا
لا يضر كخطأ بعض المسلمين وأما الشيعة فكل ما خالفوا فيه أهل السنة كلهم فهم مخطئون فيه كما أخطأ اليهود والنصارى في كل ما
خالفوا فيه المسلمين " انتهى
ولإدراك العلماء الأجلاء أعلى الله مقامهم لهذه الحقيقة حملهم ورعهم وخوفهم من ربهم أن يقولوا ويصرحوا للأمة بان كلامهم إذا
خالف كلام النبي (ص) فليضرب بالحائط , بل صرحوا بما هو اشد من هذا فقد نقل عن الإمام احمد رحمه الله: " لا تقلدني ولا تقلد
مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا. وهذه النقل قطرة من بحر كلامهم رحمهم الله تعالى في ذم
التقليد وقد نقل كلام أئمة المذاهب الأربعة في هذا الشأن الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في مقدمة رسالته (
صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم) فإذا كان هذا حال الألباني في ذمه لتقليد الائمة الكبار رحمهم الله تعالى تقليدا دون تحقيق فكيف
بكم بتقليده هو , أترونه يدعوا الناس إلى تقليده!! أين الأنصاف يا أهل الإنصاف؟! ومع من المضحك المبكي والعجب
العجاب أن تجد من يتلبس بالإسلام ويحاول أن يقحم نفسه داخل هذا المسمى العظيم يشارك النصارى في طعنهم في الاسلام
والاستهزاء به وتجد أن شبهات النصارى حول الاسلام هي عين شبهات الرافضة على أهل السنة والجماعة!! فهم ناقلي قاذورات
¥