لقد صحبت أخي وشيخي محمداً في دراسته العلمية في الدراسات العليا، فسار فيها بسرعة فائقة، وتأخرت عنه سنوات؛ لقد كان جاداً فيما يأخذ نفسه به، وقد حظيت رسالة الدكتوراه في أفعال الرسول -صلى الله عليه وسلم- باحترام لجنة المناقشة، وأصبحت هذه الرسالة إحدى المراجع العلمية في أبها.
وعندما افتتحت الموسوعة الفقهية الكويتية أبوابها التحق بها، وأصبح خبيراً من خبرائها، وكانت فكرة الموسوعة واضحة في ذهنه، فقدم ثماراً طيبة من إنتاجه، وقد كان سعيداً في عمله الذي يقوم به، وكان موضع احترام وتقدير من قبل العاملين في وزارة الأوقاف.
وهُدي إلى تأليف تفسير مختصر للقرآن الكريم، اختصره من كتاب (فتح القدير) للشوكاني، وعندما أوشك على الانتهاء منه، كانت وزارة الأوقاف الكويتية تبحث عن مثل هذا التفسير، فلما أعلمهم بتفسيره الذي أوشك على الاكتمال سارعوا إلى طبعه بمجرد إكماله له، وقد قُدّر لهذا التفسير القبول؛ فانتشر في بقاع الأرض، وأقبل عليه الناس إقبالاً عظيماً، وهو المسمى بـ"زبدة التفسير".
لم يُقدّر لي أن أكون إلى جنبه وهو يغادر الحياة، ولكنني علمت ممن نقل لي كيف فارق الحياة، قال من كان إلى جانبه: لقد سمعته يقرأ الفاتحة ثلاث مرات، ورأيته يسبح ويستغفر، ثم أسلم الروح.
رحمة الله عليك يا أبا عبد الله، ولقد –والله- كتبت هذه الصفحات على عجل، بعد أن طُلب مني أن أكتب هذه الكلمة، فكتبتها على البديهة، من غير تحضير ولا تخطيط .. لقد اتصل بي كثير من العلماء والفضلاء بعد إعلان وفاته معزين ومثنين، وهكذا العلم رحم بين أهله. لقد رحل قبله كثير من شيوخه وأقرانه، ذهبوا إلى الله –تبارك وتعالى- وها هو يلحق بهم على إثرهم، وأسأل الله له ولهم الرحمة والمغفرة، وأسأل الله أن يلحقنا بهم غير فاتنين ولا مفتونين ولا مضيّعين، وجزى الله كل من أحسن إلينا بالاتصال و التعزية، أو الدعاء له بالمغفرة والرحمة؛ فالذي خرج من الدنيا إنما ينفعه من إخوانه دعاؤهم واستغفارهم له وصلاتهم عليه، والله هو الذي يكافئ المحسنين، ويجزل لهم الأجر والثواب.
أسأل الله أن يرحمه رحمة واسعة، وأن يتقبله بقبول حسن، وأن يغفر له ذنبه، وأن يغسله بالماء والثلج والبرد، وأن يطهِّره من ذنوبه وخطاياه، وأن يلحقنا به غير فاتنين ولا مفتونين، ولا مضيّعين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.)
هذه كلمات حنونة سريعة عن هذا الجبل الهمام من أخيه العلامة د. عمر.
وما لوَّنتُه لك فيه شجون كثيرة، ولكن أستحي أن أتقدم بالتعليق عليها فأذهب جمالها ورونقها في سياقها وموضعها بسوء قولي، وجعلت لونها المغاير لمحة دالة على حسن فهمك لما وراءها من فوائد طيبة.
بقي مما ليس فيهما من مؤلفات الشيخ، ما هو تحت الطبع إن شاء الله:
1_صحيح مسند الإمام احمد
2_ الجامع العزيز الشامل للأحاديث العزيزة.
ثم ذهبت مع شيخي العلامة المحدث شعيب الأرنؤوط إلى بيت العزاء، وكان الشيخ شعيب أطال الله في عمره يثني على الشيخين الاخوين كثيراً ويحبهما.
فلما دخلنا وسلمنا على الشيخ عمر وعزيناه أخذ الشيخ شعيب _ وأنا معه _ زاوية خفية لانشغال الشيخ عمر بالقادمين، فلما أنصرفنا وسلمنا على الشيخ ثانية مسك بيدي وقال من الذي معك (لأن الشيخ شعيب كان متلثماً بشماغه من البرد ولا يحب أن يثير امراً كبيراً عرف او لم يعرف،وللشيخ مواقف تفل العقل في التواضع والخلق الحسن) ولم ينتبه له الشيخ عمر للسلام والحضور. فقلت له: هذا الشيخ شعيب.
فقال الشيخ عمر: أووه، وانطلق مسرعاً نحو الشيخ ويدي بيده (والله نعمة أحسد عليها)
ثم تعانقاً، وكشف الفارس المحدث لثامه فتعانقا طويلاً، وجعل الشيخ عمر يعتذر له من عدم العناية به وأنه لم ينتبه له ويتودد له ويأخذ بيده بأدب والله ما رأيت مثله.
وانظر الان:
فيقول الشيخ شعيب للشيخ عمر: لا عليك يا شيخ عمر، ادخل لا يصيبك البرد.
الشيخ عمر: لا لا أنتم العلماء، والمشي مع العلماء مغنم، فجعلا يتحادثان بأنس ومحبة حتى وصلنا إلى السيارة ويدعوان أن يمتعهما الله بالصحة والعافية في السمع والبصر وقوة البدن (وكأني بك تنظر إلي يديهما تتحركان علوا ونزولاً)
ويقولان بعض الشعر (ونسي الراوي = اختلط رحمه الله في اول عمره من هول ما رأى)
والشيخ شعيب يقول له: البرد، يا شيخ عمر.
والشيخ عمر: يجيبه لا .. خدمة العلماء وأهل الفضل!!
قال الراوي المختلط: لله درك يا شيخ عمر، فقد سطرت دروساً لا درساً.
(ثم: مناصحة حول بعض أراء الشيخ الراحل).
حتى إذا ما وصلنا إلى السيارة: فإذا بالشيخ عمر (وهو هو) يتقدم فيفتح الباب ويمسك بيد الشيخ شعيب للركوب، ويشكره ويدعو له ويلاطفه بالحديث والوداد الجميل، حتى استوى راكباً (فائدة عقدية/ عيني عينك)
آه ما أروع وأغلى هذه الدقائق اليسيرة بين الشيخين.
حتى ركب الشيخ، ثم قفلت لأسلم على شيخي عمر وأودِّعه وأنال بركة دعواته التي دوماً يسمعني إياها رفع الله قدره.
وانطلقنا ..
فإذا بالشيخ شعيب يثني على الأخوين ويقول: هما بركة يتبرك بهم والله، ولكن لا نستغيث بهم (يعرِّض بأحد الصوفية المحترق ولا حاجة لذكره)
وهكذا فلتكن السلفية الصحيحة.
والشيخ شعيب من الحريصين على نشر كتب الشيخ عمر (سلسلة العقيدة وغيرها) في ألبانيا وكوسوفا وبعض الدول الأوربية ممن يأخذ عنه الشيخ العلم يزودهم بها ويقول شرح الطحاوية التي حققتها لا يفهمونها كثيراً، وأحب إلى قلبي كتب الشيخ عمر.
ويحرص ويتابع كتب الشيخ عمر، وربما ذهبنا سوياً لشراء بعض الكتب ولا بد من المرور على دار النفائس فكم فيها من نفائس الشيخين الأخوين.
أخيراَ .. رحم الله العلامة محمد الأشقر وأسكنه فسيح جناته.
هذه شجون فيها عبر وفوائد احببت تسطيرها على عجالة.
ولعل الله ييسر لأمر اوسع من ذلك، فهو الموفق لكل خير.
فيا أيها القارئ الكريم حلق بخيالك الفسيح، وحينها تعلم الدافع لنشر هذه الكلمات اليسيرة.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
وكتب
ابن يوسف
عفا الله عنهما
¥