تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الذي يمر على ميقات من المواقيت، في الجو أو في البر أو في البحر، فيحرم من الميقات الذي يمر عليه قبل أن يصل إلى جدة، فإن هذا يخرج من خلاف أهل العلم، ومن النزاع، ويسلم من التأثُّم على قول بعض أهل العلم. لكن نأتي إلى أحد رجلين: إما شخص يأتي إلى جدة ولم يمر بميقات من المواقيت، ولا بما يحاذيه، أو أنه مرَّ بميقات؛ ولكنه أراد أن يحرم من جدة. افترض أن إنسانًا خرج من عندنا، من هنا من بريدة، وهو يريد أن يذهب إلى العمرة، وقال أنا أريد أن أحرم من جدة، فهل يجوز لي ذلك أم لا يجوز؟ هذه هي مسألتنا فهذا بالتأكيد أنه سيمر فوق ذي الحليفة، أو قرن المنازل، أو الجحفة؛ لكنه يريد أن لا يحرم إلا من جدة. فهل يجوز له أن يحرم من جدة أم لا؟ أهل العلم اختلفوا في هذه المسألة على أربعة أقوال:

* القول الأول: قالوا إن جدة ليست ميقاتًا لأحد. ليست ميقاتًا إلا لمن ذكرناهم في المسألة المُجمَع عليها قبل ذلك، وهم أهلها والمقيمون فيها، أو مَن لم ينوِ العمرة أو الحج إلا فيها. أما القادم عليها بنيَّة العمرة، فإنها ليست ميقاتًا له، وبالتالي فإن مَن تجاوز الميقات قبل أن يحرم؛ فإنه آثم، وهل عليه فدية أو لا؟ هذه مسألة خلافية بين أهل العلم، واستدلوا بأن جدة لم يوقِّتْها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليست محاذية لأقرب المواقيت إليها؛ فإن يَلَمْلَمَ أقرب المواقيت إليها، ويلملم تبعد عن مكة أكثر من تسعين كيلو متر، وجدة لا تبعد أكثر من سبعين كيلو متر.

* القول الثاني: قالوا إن جدة ميقات لمن يأتي من جهة الغرب عنها، وهم الذين يأتون من شمال السودان، أو من جنوب مصر، فهؤلاء الذين يأتون من هذا الاتجاه؛ يعني من جهة الغرب لا يمرون بميقات من المواقيت، وبالتالي فإن جدة تعتبر ميقاتًا لهم، أما من عدا هؤلاء فليست ميقاتًا له، وبالتالي إذا تجاوز الميقات ولم يحرم منه؛ فإنه آثم.

* القول الثالث: قالوا إن جدة ميقات لمن قَدِمَ إليها عن طريق الجو أو عن طريق البحر، أما من جاء عن طريق البر فليست ميقاتًا له؛ وإنما ميقاته ما قبلها من المواقيت، أما الذي يأتي من البحر أو من الجو فجدة تعتبر ميقاتًا له. هذا هو القول الثالث في هذه المسألة، وحُجة أصحابه أن جدة ليست محاذية؛ ولكن لمشقة إحرام الناس في الطائرة والباخرة، ولأن الحرج مرفوع؛ فيجوز لهم الإحرام من جدة.

* القول الرابع: يقول إن جدة ميقات فرعيٌّ لكل مَن أتى إليها من الجو أو البحر أو حتى من البر، فهي ميقات فرعي، وحينما نقول ميقات فرعي؛ لأن المواقيت التي وقَّتها النبي - صلى الله عليه وسلم - معروفة، أربعة، وزاد عمر - رضي الله عنه – خامسًا، وما عدا ذلك فهو ميقات فرعي، كما سنبيِّنه الآن. هذا هو القول الرابع في هذه المسألة، وهو أوسع هذه الأقوال، أن جدة ميقات لكل مَن أتى إليها. لو أردنا - أيها الإخوة - أن نستعرض أدلةَ كلِّ قولٍ من هذه الأقوال، لطال بنا المقام واتسع، ولكننا سننظر في هذه المسألة باعتبار أن ملايين من المسلمين يأتون إلى جدة عن طريق البحر، أو عن طريق الجو، وهؤلاء منهم الجاهل، ومنهم من له أحد يفتيه، ومنهم من لم يعلم حتى وصل. فهؤلاء إذا جاؤوا إلى جدة وأحرَمُوا منها، أو قيل لهم لا تحرِمُوا إلا من جدة، أو وصلوا إلى جدة وقيل لهم ليست ميقاتًا، أو نحو ذلك. هؤلاء ما حُكْمهم؟ الذين يقولون بأن جدة ميقات لكل من أتى إليها عن طريق البر أو البحر أو الجو، هؤلاء قالوا إن جدة تعتبر محاذية لميقات يلملم، وإذا كانت محاذية لهذا الميقات فإنها تكون ميقاتًا فرعيًّا، فمَن أتى إليها فإنها ميقاته؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن))، فمن أتى عليها من غير أهلها أصبحت ميقاتًا له، وقبل أن نتبين هل جدة فعلاً محاذية ليلملم؟ نتبين بعض الأمور: أولها ما معنى المحاذاة؟ المحاذاة: هي التي وردت في حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في صحيح البخاري، فإن أهل العراق، لما فتح العراق، جاؤوا إلى عمر- رضي الله عنه – فقالوا: "يا أمير المؤمنين، إن قرنًا جور عن طريقنا - يعني قرن المنازل، الذي هو السيل الكبير الآن بعيد عن طريقنا، ويشق علينا - وإن ذهبنا إليه شق علينا"، فقال عمر - رضي الله تعالى عنه -: "انظروا حذوه من طريقكم - يعني انظروا ما يحاذي قرن المنازل من

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير