وقد ظهر أن مذهب مالك رحمه الله تعالى عدم سقوط الجمعة عن أهل الحضر والمصر إذا شهدوا العيد، ولو أذن لهم الإمام، حيث لم يوافق على فعل عثمان في إذنه لأهل العوالي، وهكذا ما ذكره شارح مختصر خليل من أن شهود العيد لا يبيح التخلف عن الجمعة، سواء كان في داخل البلد أو خارجه، وأن إذن الإمام لا يبرر التخلف عن الجمعة، وخص بعضهم الخلاف أنه فيمن هو خارج البلد، وقد حمل ابن عبد البر الرخصة في الأحاديث على اختصاصها بالبوادي، ومن لا تجب عليه ممن هو خارج البلد، ورأى أن عموم كلام مالك ومذهبه فيمن تجب عليهم الجمعة عدم سقوطها عن أهل العوالي؛ لأنهم من المدينة على ثلاثة أميال أو نحوها، ويمكن أن سقوطها عنهم لكونهم خارج البلد.
[مذهب الشافعية في اجتماع العيدين]:
قال الشافعي في الأم: أخبرنا إبراهيم بن محمد، أخبرنا إبراهيم بن عقبة، عن عمر بن عبد العزيز قال: اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أحب أن يجلس من أهل العالية فليجلس في غير حرج ([20]).
ثم روى من طريق مالك حديث أبي عبيد مولى ابن أزهر قال: شهدت العيد مع عثمان. . . إلخ ([21]).
قال الشافعي: وإذا كان يوم الفطر يوم الجمعة صلى الإمام العيد حين تحل الصلاة، ثم أذن لمن حضره من غير أهل المصر أن ينصرفوا إن شاءوا إلى أهليهم، ولا يعودون إلى الجمعة، والاختيار لهم أن يقيموا حتى يجمعوا، أو يعودوا بعد انصرافهم إن قدروا حتى يجمعوا، وإن لم يفعلوا فلا حرج إن شاء الله تعالى.
قال الشافعي: ولا يجوز هذا لأحد من أهل المصر أن يدعوا أن يجمعوا إلا من عذر يجوز لهم به ترك الجمعة، وإن كان يوم عيد. قال الشافعي: وهكذا إن كان يوم أضحى، لا يختلف إذا كان ببلد يجمع فيه الجمعة ويصلي العيد ([22]) اهـ.
وقال النووي (فرع): إذا وافق يوم العيد يوم الجمعة، وحضر أهل القرى الذين يبلغهم النداء لصلاة العيد، وعلموا أنهم لو انصرفوا لفاتتهم الجمعة، فلهم أن ينصرفوا ويتركوا الجمعة في هذا اليوم على الصحيح المنصوص في القديم والجديد، وعلى الشاذ: عليهم الصبر للجمعة ([23]) اهـ.
وقال صاحب المهذب كما في المجموع: " وإن اتفق يوم عيد ويوم جمعة، فحضر أهل السواد فصلوا العيد، جاز أن ينصرفوا ويتركوا الجمعة، لما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال في خطبته: أيها الناس قد اجتمع عيدان في يومكم، فمن أراد من أهل العالية أن يصلي معنا الجمعة فليصل، ومن أراد أن ينصرف فلينصرف، ولم ينكر عليه أحد، ولأنهم إذا قعدوا في البلد لم يتهيئوا بالعيد، فإن خرجوا ثم رجعوا للجمعة كان عليهم في ذلك مشقة، والجمعة تسقط بالمشقة، ومن أصحابنا من قال: تجب عليهم الجمعة؛ لأن من لزمته الجمعة في غير يوم العيد وجبت عليه في يوم العيد كأهل البلد؟ والمنصوص في الأم هو الأول ([24]) اهـ
قال النووي في شرحه: قال الشافعي والأصحاب: إذا اتفق يوم جمعة يوم عيد، وحضر أهل القرى الذين تلزمهم الجمعة لبلوغ نداء البلد، فصلوا العيد لم تسقط الجمعة بلا خلاف عن أهل البلد، وفي أهل القرى وجهان، الصحيح المنصوص للشافعي في الأم والقديم أنها: تسقط، والثاني: لا تسقط، ودليلها في " الكتاب وأجاب هذا الثاني عن قول عثمان، ونص الشافعي فحملهما على من لا يبلغه النداء (فإن قيل): هذا التأويل باطل، لأن من لا يبلغه النداء لا جمعة عليه في غير يوم العيد، ففيه أولى، فلا فائدة في هذا القول (فالجواب) أن هؤلاء إذا حضروا البلد يوم الجمعة غير يوم العيد يكره لهم الخروج قبل أن يصلوا الجمعة، صرح بهذا كله المحاملي، والشيخ أبو حامد في التجريد، وغيرهما من الأصحاب، قالوا: فإذا كان يوم عيد زالت تلك الكراهة، فبين عثمان والشافعي زوالها، والمذهب ما سبق، وهو سقوطها عن أهل القرى الذين يبلغهم النداء. ([25]) اهـ.
وقد ظهر من مذهب الشافعية أن الجمعة لا تسقط عن أهل البلد، بل يلزمهم أن يصلوا الجمعة مع الإمام، وإنما تسقط عن أهل القرى النائية، مع أن الأولى لهم حضورها، وإنما سقطت للمشقة، أو لأن الجمعة لا تلزمهم لخروجهم عن المصر، أو لبعدهم عن محل إقامة الجمعة.
ـ[عبدالعزيز بن ابراهيم النجدي]ــــــــ[21 - 11 - 09, 04:48 م]ـ
[مذهب الحنابلة في اجتماع الجمعة والعيد]
¥