قوله: وإذا وقع العيد يوم الجمعة فاجتزئ بالعيد وصلي ظهرا جاز. هذا المذهب بلا ريب، وعليه الأصحاب، وهو من المفردات- (وعنه) لا يجوز، ولا بد من صلاة الجمعة، فعلى المذهب إنما تسقط الجمعة عنهم إسقاط حضور لا وجوب، فيكون بمنزلة المريض لا المسافر والعبد، فلو حضر الجامع لزمته كالمريض، وتصح إمامته فيها، وتنعقد به، حتى لو صلى العيد أهل بلد كافة كان له التجميع بلا خلاف.
وأما من لم يصل العيد فيلزمه السعي إلى الجمعة بكل حال، سواء بلغوا العدد المعتبر أم لم يبلغوا، ثم إن بلغوا بأنفسهم أو حضر معهم تمام العدد لزمتهم الجمعة، وإن لم يحضر معهم تمامه فقد تحقق عددهم.
وقال بعض أصحابنا: إن تتميم العدد وإقامة الجمعة إن قلنا تجب على الإمام؟ يكون فرض كفاية. وليس ببعيد.
قوله: " إلا الإمام " يعني أنه لا يجوز له تركها، ولا تسقط عنه الجمعة، وهذا المذهب، وهو ظاهر ما جزم به في الخلاصة، وقدمه في الفروع، واختاره المصنف وغيره. قال في التلخيص: وليس للإمام ذلك في أصح الروايتين، هذا الأظهر، وصححه ناظم المفردات (وعنه) تسقط عنه لعظم المشقة عليه، فهو أولى بالرخصة، واختاره جماعة (وعنه) لا تسقط عن العدد المعتبر، قال في التلخيص: وعندي أن الجمعة لا تسقط عن أحد من أهل المصر بحضور العيد ما لم يحضر العدد المعتبر وتقام اهـ. قال ابن رجب في القواعد: على رواية عدم السقوط عن الإمام يجب أن يحضر معه من تنعقد به تلك الصلاة، فتصير الجمعة فرض كفاية تسقط بحضور أربعين. . . إلخ ([39]) اهـ.
وقد ظهر من قول الحنابلة أن المذهب المشهور سقوط الجمعة عن كل من حضر العيد، وفي سقوطها عن الإماء روايتان، والمشهور منهما عدم سقوطها عنه، وهناك رواية بعدم السقوط كقول الحنفية والمالكية (وعنه) رواية: أنها تكون فرض كفاية بأن يحضر مع الإمام العدد المعتبر لإقامتها وهو الأربعون. ورواية: إن حضر العدد المعتبر وإلا صلوها مع الإمام ظهرا كغيرهم. وكأنهم اعتمدوا العمل بظاهر الأحاديث ما فيها من المقال نظرا لشهرتها، ومنه يعلى أن إسقاطها عمن حضر العيد من مفردات المذهب قال ناظم المفردات:
والعيد والجمعة إن قد جمعا * * * فتسقط الجمعة نصا سمعا
عمن أتى بالعيد لا يستثنى * * * سوى الإمام في أصح المعنى
قال الشارح: يعني إذا وافق العيد يوم الجمعة سقطت عمن حضر مع الإمام، وممن قال بالسقوط الشعبي، والنخعي، والأوزاعي، وقد قيل: إنه مذهب عمر، وعثمان، وعلي، وسعيد، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وقال أكثر الفقهاء: لا تسقط الجمعة؛ لعموم الآية والأخبار الدالة على وجوبها، ولنا حديث معاوية، ثم ذكر حديث زيد بن أرقم، وحديث أبي هريرة ([40]) وقد سبق ذكرهما في كلام ابن عبد البر، وهكذا قال: أبو محمد بن قدامة: وزاد في تعليل الفقهاء لعدم السقوط لأنهما صلاتان واجبتان، فلم تسقط إحداهما بالأخرى كالظهر مع العيد وأجاب بأن الجمعة إنما زادت عن الظهر بالخطبة، وقد حصل سماعها في العيد، فأجزأ عن سماعها ثانيا، ولأن وقتهما واحد بما بيناه فسقطت إحداهما بالأخرى كالجمعة مع الظهر، وما احتجوا به مخصوص بما رويناه وقياسهم منقوض بالظهر مع الجمعة. فأما الإمام فلم تسقط عنه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: وإنا مجمعون ([41]) ولأنه لو تركها لامتنع فعل الجمعة في حق من تجب عليه، ومن يريدها ممن سقطت عنه، بخلاف غيره من الناس ([42]) اهـ. وهكذا ذكر ابن أبي عمر ([43]).
[تلخيص المذاهب السابقة]
وقد لخص النووي المذاهب بقوله: (فرع) في مذاهب العلماء في ذلك، قد ذكرنا أن مذهبنا وجوب الجمعة على أهل البلد، وسقوطها عن أهل القرى، وبه قال عثمان بن عفان، وعمر بن عبد العزيز، وجمهور العلماء، وقال عطاء بن أبي رباح: إذا صلوا العيد لم تجب بعده في هذا اليوم صلاة الجمعة ولا الظهر ولا غيرهما إلى العصر، لا على أهل القرى ولا أهل البلد. قال ابن المنذر: وروينا نحوه عن علي بن أبي طالب وابن الزبير رضي الله عنهم، وقال أحمد: تسقط الجمعة عن أهل القرى وأهل البلد، ولكن يجب الظهر. وقال أبو حنيفة: لا تسقط الجمعة عن أهل البلد ولا أهل القرى. واحتج الذين أسقطوا الجمعة عن الجميع بحديث زيد بن أرقم. ثم ذكره وذكر حديث أبي هريرة، وصحح الأول، وضعف سند الثاني، واحتج لأبي حنيفة بأن الأصل الوجوب، واحتج عطاء ثم ذكر فعل ابن الزبير، وقول ابن عباس: أصاب السنة وأنه على شرط مسلم.
واحتج أصحابنا بحديث عثمان، وتأولوا الباقي على أهل القرى، لكن قول ابن عباس: من السنة. مرفوع وتأويله أضعف ([44]). اهـ.
وقد تكلم على المذاهب وأدلتها الساعاتي البنا، وتوسع في ذكر المذاهب وأدلتها ناقلا عن النووي وغيره ([45]).
وذكر الشوكاني حديث زيد، وأبي هريرة، وقصة ابن الزبير، وصحح حديث ابن الزبير، ومال إلى ترجيح العمل به ([46]).
¥