الثالثة: أن مآل السحر وأهله في الآخرة الخسران، فليس فيه نفع في الدنيا ولا حظَّ في الآخرة.
حكم السحر
اختلف أهل العلم من السلف والخلف في حكم السحر.
فقالت طائفة: السحر كفر.
وفصّل بعضهم في الأمر، وجعلوا السحر قسمين: كفر، ومعصية دون الكفر.
قال ابن كثير في تفسيره " وقد استدل بعضهم بهذه الآية على تكفير من تعلم السحر، ويستشهد له بالحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار ... "
ثم ساق إسناده إلى عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال ((من أتى كاهناً أو ساحراً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)).
قال ابن كثير " وهذا إسناد جيد، وله شواهد أخر ".
وقال ابن كثير أيضاً " وقد يستدل بقوله {ولو أنهم آمنوا واتقوا} من ذهب إلى تكفير الساحر، كما هو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل وقول طائفة من السلف.
وقيل: بل لا يكفر، ولكن حدُّه ضرب عنقه، لما رواه الشافعي وأحمد بن حنبل رحمهما الله .. " ثم ساق الإسناد إلى بََجالة بن عبدة قال " كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن: اقتلوا كل ساحر وساحرة .. قال: فقتلنا ثلاث سواحر ".
قال ابن كثير " وقد أخرجه البخاري في صحيحه أيضاً. وهكذا صح أن حفصة أم المؤمنين سحرتها جارية لها، فأمرت بها فقُتلت.
قال الإمام أحمد بن حنبل: صح عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قتل الساحر ".
ثم ذكر ابن كثير حديث جندب الأزدي المرفوع ((حد الساحر ضربه بالسيف))، وذكر أيضاً أثرين آخرين، ثم قال " وحمل الشافعي رحمه الله قصة عمر وحفصة على سحر يكون شركاً، والله أعلم ".
ثم نقل ابن كثير كلام الرازي في أن العلم بالسحر ليس بقبيح ولا محظور، وردّ عليه وقال " ففي هذه الآية الكريمة تبشيع لتعلم السحر. وفي الصحيح " من أتى عرّافاً أو كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمد ". وفي السنن ((من عقد عقدة ونفث فيها فقد سحر)) ".
ثم قال " كيف لا يكون محظوراً مع ما ذكرناه من الآية والحديث "؟.
ثم قال ابن كثير، في آخر كلامه عن السحر " فصل: وقد ذكر أبو المظفر يحي بن محمد بن هبيرة رحمه الله، في كتابه " الإشراف على مذاهب الأشراف " باباً في السحر فقال: أجمعوا على أن السحر له حقيقة، إلا أبا حنيفة، فإنه قال: لا حقيقة له عنده ".
واختلفوا فيمن يتعلم السحر ويستعمله، فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: يكفر بذلك.
ومن أصحاب أبي حنيفة من قال: إن تعلمه ليتقيه أو ليجتنبه فلا يكفر، ومن تعلمه معتقداً جوازه، أو أنه ينفعه، كفر.
وكذا من اعتقد أن الشياطين تفعل له ما يشاء فهو كافر.
وقال الشافعي رحمه الله: إذا تعلم السحر، قلنا له: صف لنا سحرك. فإن وصف ما يوجب الكفر، مثل ما اعتقده أهل بابل من التقرب إلى الكواكب السبعة، وأنها تفعل ما يلتمس منها، فهو كافر. وإن كان لا يوجب الكفر، فإن اعتقد إباحته فهو كافر.
قال ابن هبيرة: وهل يقتل بمجرد فعله واستعماله؟ فقال مالك وأحمد: نعم.
وقال الشافعي و أبوحنيفة: لا.
فأما إن قتل بسحره إنساناً فإنه يُقتل عند مالك والشافعي و أحمد.
وقال أبو حنيفة: لا يقتل حتى يتكرر منه ذلك، أو يقر بذلك في حق شخص معين.
وإذا قتل، فإنه يُقتل حداً عندهم، إلا الشافعي، فإنه قال: يقتل والحالة هذه قصاصاً.
قال: وهل إذا تاب الساحر تقبل توبته؟ فقال مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنهم: لا تقبل. وقال الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى: تقبل. وأما ساحر أهل الكتاب، فعند أبي حنيفة فإنه يقتل، كما يقتل الساحر المسلم.
وقال مالك وأحمد والشافعي: لا يقتل. يعني لقصة لبيد بن الأعصم.
واختلفوا في المسلمة الساحرة، فعند أبي حنيفة أنها لا تقتل، ولكن تحبس.
وقال الثلاثة: حكمها حكم الرجل، والله أعلم ... )) الخ.
انظر تفسير ابن كثير [1/ 536 – 548].
قال سمير: الذين قالوا إن السحر كفر , استدلوا بظاهر الآية {إنما نحن فتنة فلا تكفر}.
واستدلوا أيضا بالآية التالية {ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عندالله خير لو كانوا يعلمون}.
واستدلوا بالأحاديث و الآثار الواردة في حكم السحر و الكهانة وحدِّ الساحر.
وذهب آخرون إلى أن السحر ليس كفراً إلا إذا تضمن الكفر والشرك , وحملوا معنى الآية والأحاديث على ذلك.
¥