وقال الشافعي: إن اعتقد ما يوجب الكفر، مثل التقرب إلى الكواكب السبعة، وأنها تفعل ما يلتمس، أو اعتقد حِلّ السحر، كفر، لأن القرآن نطق بتحريمه، وثبت بالنقل المتواتر والإجماع عليه، وإلا فُسّق ولم يُكفّر، لأن عائشة رضي الله عنها باعت مدبَّرة لها سحرتها، بمحضر من الصحابة. ولو كفرت لصارت مرتدة يجب قتلها، ولم يجز استرقاقها، ولأنه شيء يضر بالناس، فلم يكفر بمجرده، كأذاهم ".
قال ابن قدامة " ولنا قول الله تعالى {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا} إلى قوله {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر}.
أي: وما كفر سليمان، أي وما كان ساحراً كفر بسحره.
وقولهما {إنما نحن فتنة فلا تكفر}، أي لا تتعلمه، فتكفر بذلك .. ".
إلى أن قال " وقول عائشة قد خالفها فيه كثير من الصحابة. وقال علي رضي الله عنه، الساحر كافر. ويحتمل أن المدبّرة تابت، فسقط عنها القتل والكفر بتوبتها.
ويحتمل أنها سحرتها، بمعنى أنها ذهبت إلى ساحر سحر لها ".
قال ابن قدامة " وحد الساحر القتل، روي ذلك عن عمر وعثمان بن عفان وابن عمر وحفصة وجندب بن عبدالله وجندب بن كعب وقيس بن سعد وعمر بن عبدالعزيز. وهو قول أبي حنيفة ومالك.
ولم ير الشافعي عليه القتل بمجرد السحر، وهو قول ابن المنذر، ورواية عن أحمد، قد ذكرناها فيما تقدم.
ووجه ذلك: أن عائشة رضي الله عنها باعت مدبّرة سحرتها، ولو وجب قتلها لما حلّ بيعها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، كفر بعد إيمان، أو زنىً بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق ".
ولم يصدر منه أحد الثلاثة فوجب أن لا يحلّ دمه ".
قال ابن قدامة " ولنا ما روى جندب بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((حد الساحر ضربه بالسيف)).
قال ابن المنذر: رواه إسماعيل بن مسلم، وهو ضعيف.
وروى سعيد وأبو داود في كتابيهما عن بَجالة قال: كنت كاتباً لجزء بن معاوية عم الأحنف بن قيس، إذ جاءنا كتاب عمر قبل موته بسنة: اقتلوا كل ساحر. فقتلنا ثلاث سواحر في يوم.
وهذا اشتهر فلم يُنكَر، فكان إجماعاً، وقتلتْ حفصة جاريةً لها سحرتها. وقتل جندب بن كعب ساحراً كان يسحر بين يدي الوليد بن عقبة. ولأنه كافر، فيقتل، للخبر الذي رووه .. " الخ.
انظر المغني [12/ 300 – 305].
6 – قال ابن القيم " فصل: في حكمه صلى الله عليه وسلم في الساحر.
في الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم " حد الساحر ضربة بالسيف ". والصحيح أنه موقوف على جندب بن عبدالله.
وصح عن عمر رضي الله عنه أنه أمر بقتله، وصح عن حفصة أنها قتلت مدبّرة سحرتها، فأنكر عليها عثمان إذ فعلته دون أمره. وروي عن عائشة رضي الله عنها أيضاً، أنها قتلت مدبرة سحرتها، وروي أنها باعتها. ذكره ابن المنذر وغيره ". اهـ.
انظر زاد المعاد [5/ 57].
7 – ذكر البخاري في صحيحه في كتاب الطب " باب السحر"، واستدل بآية البقرة {ولكن الشياطين كفروا} إلى قوله {من خلاق}، وبقوله تعالى {ولا يفلح الساحر حيث أتى} قال الحافظ ابن حجر في الفتح " وقد استدل بهذه الآية على أن السحر كفر، ومتعلمه كافر، وهو واضح في بعض أنواعه التي قدمتها، وهو التعبد للشياطين أو للكواكب.
وأما النوع الآخر، الذي هو من باب الشعوذة، فلا يكفر به من تعلمه أصلاً .. "
إلى أن قال " وقد أجاز بعض العلماء تعلم السحر لأحد أمرين: إما لتمييز ما فيه كفر من غيره، وإما لإزالته عمن وقع فيه.
فأما الأول: فلا محذور فيه إلا من جهة الاعتقاد، فإذا سلم الاعتقاد، فمعرفة الشيء بمجرده لا تستلزم منعاً، كمن يعرف كيفية عبادة أهل الأوثان للأوثان، لأن كيفية ما يعمله الساحر إنما هي حكاية قول أو فعل، بخلاف تعاطيه والعمل به.
وأما الثاني: فإن كان لا يتم، كما زعم بعضهم، إلا بنوع من أنواع الكفر أو الفسق، فلا يحل أصلاً، وإلا جاز للمعنى المذكور، وسيأتي مزيد لذلك في " باب هل يستخرج السحر " قريباً، والله أعلم.
وفي إيراد المصنف هذه الآية إشارة إلى اختيار الحكم بكفر الساحر .. " ا هـ.
انظر الفتح [10/ 224 – 225].
¥