ثم قال " فالكاهن هو الذي يخبر عن الكوائن في مستقبل الزمان، ويدعي معرفة الأسرار، ومطالعة علم الغيب .. " إلى أن قال " ومنهم من يسمي المنجِّم كاهناً. وقد روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر)). ".
قال سمير: حديث ابن عباس هذا أخرجه أحمد في المسند [ح 2000] وأبوداود [3905].
وقال الشنقيطي في أضواء البيان [2/ 197] " ولا خلاف بين العلماء في منع العيافة والكهانة والعرافة والطرق والزجر والنجوم، وكل ذلك يدخل في الكهانة، لأنها تشمل جميع أنواع ادعاء الاطلاع على علم الغيب. وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال " ليسوا بشيء " ا هـ.
قال سمير: حديث ((ليسوا بشيء)) متفق عليه. انظر جامع الأصول [5/ 63].
وذكر ابن منظور في لسان العرب [13/ 363] في مادة " كهن "، قول ابن الأثير " وقوله في الحديث ((من أتى كاهناً))، يشتمل على إتيان الكاهن والعراف والمنجم ".
وذكر ابن منظور أيضاً [9/ 238] في مادة " عرف " حديث ((من أتى عرافاً أو كاهناً .. )) ثم قال " أراد بالعراف المنجم أو الحازي، الذي يدعي علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه " ا هـ.
قال سمير: فتبين مما تقدم نقله عن الأئمة دخول الساحر في حكم العراف والكاهن، " بطريق العموم المعنوي " كما قال شيخ الإسلام، بل هو أولى بالحكم، لأن السحر أشد من الكهانة والعرافة وأعظم، كما قال الإمام أحمد " الساحر أخبث ".
السحر والرقى
المقصود من الرقى هنا، أي المنهي عنها، وهي التي فيها شرك، أو ما لايفهم معناه، مما يتعاطاه السحرة والكهنة والمنجمون.
وقد جاء في الحديث ((إن الرقى والتمائم والتولة شرك)) رواه أحمد [3615] وأبوداود [3883] والبغوي في شرح السنة [12/ 57].
قال البغوي " التولة ضرب من السحر. قال الأصمعي: وهو الذي يحبب المرأة إلى زوجها .. ".
إلى أن قال " والمنهي من الرقى ما كان فيه شرك، أو كان يذكر مردة الشياطين، أو ما كان منها بغير لسان العرب، ولا يدرى ماهو، ولعله يدخله سحر أو كفر.
فأما ماكان بالقرآن وبذكر الله عز وجل، فإنه جائز مستحب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث على نفسه بالمعوذات .. " الخ. [12/ 159].
وقال النووي في شرح باب الطب والمرض والرقى، من صحيح مسلم " قال المازري: جميع الرقى جائزة، إذا كانت بكتاب الله أو بذكره، ومنهي عنها إذا كانت باللغة الأعجمية، أو بما لا يدرى معناه، لجواز أن يكون فيه كفر ... "
ثم قال النووي " قال القاضي: وجاء في حديث في غير مسلم: سئل عن النشرة، فأضافها إلى الشيطان.
قال: والنشرة معروفة مشهورة عند أهل التعزيم، وسميت بذلك لأنها تنشر عن صاحبها، أي تخلِّي عنه.
وقال الحسن: هي من السحر. قال القاضي: وهذا محمول على أنها خارجة عن كتاب الله تعالى وأذكاره، وعن المداواة المعروفة التي هي من جنس المباح.
وقد اختار بعض المتقدمين هذا، فكره حل المعقود عن امرأته.
وقد حكى البخاري في صحيحه عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن رجل به طب، أي ضرب من الجنون، أو يؤخذ عن امرأته، أ يحلُّ عنه أو ينشر؟
قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فلم ينه عما ينفع.
وممن أجاز النشرة الطبري، وهو الصحيح .. " اهـ. شرح مسلم [ص 1366 – 1367].
قال سمير: سيأتي الكلام عن النشرة بعد قليل، والغرض هنا بيان العلاقة بين الرقى والسحر، وقد علمت وجه العلاقة والشبه بينهما، لأن الساحر إنما يستعمل رقى وتعاويذ ونحوها في سحره، والراقي بمثل هذه الأمور الشركية كالساحر في الحكم، وكانت العرب من قبل تستعمل الرقى الشركية، التي هي من جنس السحر، لمداواة المجنون والمصروع ونحوهما، فنهى الشرع عن مثل هذه الرقى وجعلها من باب الشرك.
والخلاصة: أن السحر والتنجيم والعرافة والكهانة والرقى الشركية ونحوها، هي من باب واحد، وكلها محرمة، يحرم تعاطيها والمداواة بها، ويحرم الذهاب إلى من يزعم أنه يجلب بها النفع أو يرفع بها الضر، والله أعلم.
حكم حل السحر بالسحر
¥