ثم قال ابن القيم ((ومن أنفع علاجات السحر الأدوية الإلهية , بل هي أدويته النافعة بالذات , فإنه من تأثيرات الأرواح الخبيثة السفلية , ودفع تأثيرها يكون بما يعارضها و يقاومها من الأذكار والآيات والدعوات، التي تبطل فعلها وتأثيرها , وكلما كانت أقوى و أشد , كانت أبلغ في النشرة .. )) اهـ. باختصارمن زاد المعاد [4/ 113 - 116].
قال سمير: تأمل قول ابن القيم " بل هي أدويته النافعة بالذات ". فإنه صريح في حصر حل السحر بالأدوية المشروعة وترك ما سواها.
والتداوي من السحر إن كان من باب الرقية، فهو أيضاً لا يشرع إلا بما هو مباح.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما نهى أمته عن التداوي بالحرام، وعن الانتفاع به، كذلك نهاهم عن الرقى بالشرك أو بما لا يعرف معناه من الكلام، كما تقدم.
جاء في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم ((اعرضوا عليّ رقاكم، لا بأس بما ليس فيه شرك)). رواه مسلم [2200].
وفي سنن أبي داود [3883] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إن الرقى والتمائم والتولة شرك)).
قال ابن الأثير " التولة، بكسر التاء وفتح الواو، ما يحبب المرأة إلى زوجها من أنواع السحر)). جامع الأصول [7/ 575].
قال ابن حجر " وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بذات الله تعالى ".
ثم ذكر ابن حجر حديث ((إن الرقى والتمائم والتولة شرك))، وذكر أن التولة ضرب من السحر. انظر الفتح [10/ 195].
ثالثاً: إن باب العلاج بالرقى أضيق من باب العلاج بالأدوية المباحة، كما يظهر من النصوص، فالنهي عن التداوي بالمحرم منها أظهر من غيرها من الأدوية المحرمة، والسحر أضيق منها كلها، لأنه محرم كله.
كلام ابن تيمية
ولشيخ الإسلام كلام نفيس عن الرقية بالقرآن، ومما قاله رحمه الله " وأما الاستعانة عليهم – أي الجن – بما يقال ويكتب، مما لا يعرف معناه، فلا يشرع، لا سيما إن كان فيه شرك، فإن ذلك محرم، وعامة ما يقوله أهل العزائم فيه شرك. وقد يقرأون مع ذلك شيئاً من القرآن ويظهرونه، ويكتمون ما يقولونه من الشرك.
وفي الاستشفاء بما شرعه الله ورسوله ما يغني عن الشرك وأهله. والمسلمون، وإن تنازعوا في جواز التداوي بالمحرمات، كالميتة والخنزير، فلا يتنازعون في أن الكفر والشرك لا يجوز التداوي به بحال، لأن ذلك محرم في كل حال ... " مجموع الفتاوى [19/ 61].
قال سمير: ولا ريب أن الساحر أخبث من أهل العزائم، ولا يحل السحر بالسحر إلا إذا تقرب إلى الجن بالشرك.
وكلام شيخ الإسلام صريح في منع حل السحر بالسحر، الذي فيه شرك وكفر، وأنه مما لا نزاع فيه، بخلاف التداوي بالمحرمات الأخرى.
كلام ابن القيم
ولابن القيم أيضاً كلام نفيس عن النهي عن التداوي بالحرام، فقال، رحمه الله، بعد أن سرد الأحاديث في ذلك " المعالجة بالمحرمات قبيحة عقلاً و شرعاً , أما الشرع فما ذكرنا من هذه الأحاديث و غيرها , وأما العقل , فهو أن الله سبحانه إنما حرمه لخبثه , فإنه لم يحرِّم على هذه الأمة طيباً عقوبة لها , كما حرمه على بني إسرائيل بقوله {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم}.
و إنما حرم على هذه الأمة ما حرم لخبثه , وتحريمه له حمية لهم , وصيانة عن تناوله , فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام و العلل , فإنه و إن أثَّر في إزالتها , لكنه يُعقب سقماً أعظم منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه , فيكون المداوى به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب.
و أيضاً , فإن تحريمه يقتضي تجنبه و البعد عنه بكل طريق , وفي اتخاذه دواءً حض على الترغيب فيه وملابسته , وهذا ضد مقصود الشارع , وأيضاً , فإنه داء , كما نص عليه صاحب الشريعة , فلا يجوز أن يتخذ دواء.
و أيضاً , فإنه يكسب الطبيعة و الروح صفة الخبث , لأن الطبيعة تنفعل عن كيفية الدواء انفعالاً بيناً .. )) الخ. انظر زاد المعاد [4/ 143 - 144].
قال سمير: وهذا الكلام النفيس من شيخي الإسلام , ابن تيمية وابن القيم , صريح في منع النشرة بالسحر و التداوي منه به , كما هو ظاهر. وانظر كلام الحافظ في الفتح [10/ 78 - 80].
¥