الفهم الصحيح لكلام ابن المسيب
قد قدمنا من النصوص ما يكفي في الرد على من أباح النشرة بالسحر , وذكرنا أنه لو فرض أن ابن المسيب و البخاري و أحمد وغيرهم من الأئمة أباحوا ذلك , فإن قولهم مردود بالنصوص الصريحة في المنع والتحريم. وهذا كله على فرض أنهم قالوا بجواز حل السحر بالسحر. لكن الصحيح أنهم لم يجيزوا ذلك.
يدل عليه كلام الحافظ في الفتح [10/ 233 - 234] , حيث ذكر كراهة الحسن للنشرة وقوله " لا يعلم ذلك إلا ساحر " وجواب ابن المسيب له " إنما نهى الله عما يضر ... " الخ , فقال الحافظ " ثم الحصر المنقول عن الحسن ليس على ظاهره , لأنه قد ينحلُّ بالرقى والأدعية و التعويذ , ولكن يحتمل أن تكون النشرة نوعين ".
قال سمير: فالحافظ وجَّه كلام ابن المسيب , بأن معناه أن يُنشَّر عن المسحور بالرقى المباحة.
و أكد ذلك ابن حجر بقوله بعد ذلك ((ويوافق قول سعيد بن المسيب ما تقدم في باب " الرقية " في حديث جابر عند مسلم مرفوعاً " من أستطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل ".
ويؤيد مشروعية النشرة ما تقدم في حديث " العين حق " , في قصة اغتسال العائن)).
ثم ذكر الحافظ قول الشعبي في النشرة العربية، وهي " أن يخرج الإنسان في موضع عضاه فيأخذ عن يمينه وعن شماله من كلٍ، ثم يدقه ويقرأ فيه ثم يغتسل به ".
وذكر الحافظ أيضاً صفة أخرى للحلِّ، وصفة للنشرة، وليس فيها أي سحرأو شرك.
ويؤيده أيضاً قول ابن حجر، الذي نقلناه من قبل حين ذكر أن إزالة السحر عمن وقع فيه، إن كان لا يتم إلا بنوع من أنواع الكفر أو الفسق، فلا يحل أصلاً. الفتح [10/ 225].
فجعل الحافظ كلام ابن المسيب في النشرة من السحر، من باب النشرة من العين، وهي مشروعة، أو النشرة العربية، وهي مباحة.
وأما النشرة بالسحر، فقد صرح بتحريمها، كما هو ظاهر كلامه – رحمه الله.
ويؤيد ذلك أن الذين ذكروا النشرة عن المسحور، ونقلوا كلام ابن المسيب في إباحتها، إنما قصدوا النشرة المباحة، ولهذا قال البغوي، بعد أن ذكر حديث ((النشرة من الشيطان)) " والنشرة ضرب من الرقية، يعالج بها من كان يظن به مس الجن .. " ثم ذكر قول الحسن " النشرة من السحر "، وقول سعيد بن المسيب " لا بأس بها ". ثم ذكر البغوي أن المنهي من الرقى ما كان فيه شرك .. الخ. انظر شرح السنة للبغوي [12/ 159].
ويؤيد ذلك أيضاً، أنه جاء في أثر ابن المسيب قوله " من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل ".
انظر شرح السنة للبغوي [12/ 190].
قال سمير: ومعلوم أن الساحر ليس أخاً للمؤمن عند أكثر العلماء، لأنه كافر زنديق، فدل ذلك على أن سعيد بن المسيب لم يقصد الساحر الذي يكفر بسحره، وإنما قصد من يحسن النشرة بالمباح. والله أعلم.
كلام الشيخ سليمان
وقال الشيخ سليمان بن عبدالله في تيسير العزيز الحميد [418]، تعليقاً على أثر سعيد بن المسيب " وهذا الكلام من ابن المسيب يحمل على نوع من النشرة لا يعلم هل هو نوع من السحر أم لا؟
فأما أن يكون ابن المسيب يفتي بجواز قصد الساحر الكافر المأمور بقتله ليعمل السحر، فلا يُظن به ذلك، حاشاه منه، ويدل على ذلك قوله: إنما يريدون به الإصلاح. فأي إصلاح في السحر؟ بل كله فساد وكفر، والله أعلم " ا هـ.
وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله " وروي عن الحسن أنه قال: لا يحل السحر إلا ساحر.
قال ابن القيم: النشرة حلُّ السحر عن المسحور، وهي نوعان، حل بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، وعليه يحمل قول الحسن، فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان، بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور.
والثاني: النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية المباحة، فهذا جائز ".
قال الشيخ سليمان في الشرح " هذا الثاني هو الذي يحمل عليه كلام ابن المسيب، أو على نوع لا يدرى هل هو من السحر أم لا؟
وكذلك ما روي عن الإمام أحمد من إجازة النشرة، فإنه محمول على ذلك، وغلط من ظن أنه أجاز النشرة السحرية، وليس في كلامه ما يدل على ذلك.
بل لما سئل عن الرجل يحل السحر قال: قد رخص فيه بعض الناس.
قيل إنه يجْعل في الطنجير ماءً ويغيب فيه؟ فنفض يده وقال: لا أدري ما هذا؟ قيل له: أفترى أن يؤتى مثل هذا؟ قال: لا أدري ما هذا؟
¥