وهذا صريح في النهي عن النشرة على الوجه المكروه، وكيف يجيزه، وهو الذي روى الحديث إنها من عمل الشيطان؟
ولكن لما كان لفظ النشرة مشتركاً بين الجائزة والتي من عمل الشيطان، ورأوه قد أجاز النشرة، ظنوا أنه قد أجاز التي من عمل الشيطان، وحاشاه من ذلك .. "
انظر تيسير العزيز الحميد [418 – 420].
هل طلب العلاج من الواجبات
وهاهنا مسألة نضيفها إلى ما تقدم، رداً على من ظن أن الضرورة تبيح التداوي بالمحرم، بل بالسحر الذي هو كفر وشرك.
فنقول: قد اختلف علماء السلف في حكم التداوي بالمباح، هل هو واجب أو مستحب أو الأولى تركه والصبر على البلاء بالمرض.
قال ابن عبدالبر " واختلف العلماء في هذا الباب، فذهبت منهم طائفة إلى كراهية الرقى والمعالجة، قالوا: الواجب على المؤمن أن يترك ذلك اعتصاماً بالله تعالى وتوكلاً عليه وثقة به وانقطاعاً إليه، وعلماً بأن الرقية لا تنفعه، وأن تركها لا يضره .. "
ثم ذكر أنهم احتجوا بحديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وجاء فيه " لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون " رواه البخاري ومسلم. جامع الأصول [7/ 571].
قال ابن عبدالبر " فلهذه الفضيلة ذهب بعض أهل العلم إلى كراهية الرقى والاكتواء، والآثار بهذا كثيرة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وممن ذهب إلى هذا: داود بن علي وجماعة من أهل الفقه والأثر ... "
ثم نقل الآثار في ذلك عن ابن مسعود وأبي الدرداء والربيع بن خيثم وسعيد بن جبير والحسن البصري وغيرهم.
ثم قال ابن عبد البر " وذهب آخرون من العلماء إلى إباحة الاسترقاء والمعالجة والتداوي، وقالوا: إن من سنة المسلمين التي يجب عليهم لزومها، لروايتهم عن نبيهم صلى الله عليه وسلم الفزع إلى الله عند الأمر يعرض لهم، وعند نزول البلاء بهم في التعوذ بالله من كل شر، وإلى الاسترقاء وقراءة القرآن والذكر والدعاء.
واحتجوا بالآثار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في إباحة التداوي والاسترقاء.
منها: قوله صلى الله عليه وسلم ((تداووا عبادالله، ولا تداووا بحرام، فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له دواءً .. )).
ثم ساق عدة أحاديث في التداوي بالحجامة وبالحبة السوداء وبالكمأة والرقية بالمعوذات، ونحو ذلك.
ثم قال " والذي أقول به أنه قد كان من خيار هذه الأمة وسلفها وعلمائها قوم يصبرون على الأمراض حتى يكشفها الله، ومعهم الأطباء، فلم يعابوا بترك المعالجة.
ولو كانت المعالجة سنة من السنن الواجبة لكان الذّم قد لحق من ترك الاسترقاء والتداوي، وهذا لا نعلم أحداً قاله. ولكان أهل البادية والمواضع النائية عن الأطباء قد دخل عليهم النقص في دينهم لتركهم ذلك.
وإنما التداوي – والله أعلم – إباحة على ما قدمنا، لميل النفوس إليه، وسكونها نحوه، {ولكل أجل كتاب}، لا أنه سنة، ولا أنه واجب، ولا أن العلم بذلك علم موثوق به لا يخالف، بل هو خطر وتجربة موقوفة على القدر، وعلى إباحة التداوي والاسترقاء جمهور العلماء .. " اهـ. باختصار. انظر التمهيد [5/ 265 – 279].
قال سمير: فإذا كان هذا حكم التداوي عند السلف، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمربه بقوله ((تداووا))، لكنهم فهموا منه الإباحة لا الوجوب.
ومن قال بالإباحة، أو بالوجوب أو الاستحباب، فإنه خصه بالأدوية المباحة ولم يتجاوزها إلى العلاج بالمحرمات، فضلاً عن الشرك والموبقات.
ومن هنا تعلم خطأ الشيخ العبيكان، وتعجله في فتواه التي زعم أنه نصح بها الناس.
ومن عجائب ما جاء في رسالة العبيكان " الساحرة "، قوله " ومن الأمور العجيبة أن الذين يحرمون ذلك، لا حلَّ لديهم سوى أمر الناس بالصبر، ولا شك أن الصبر مطلوب، ولكن لا يتعارض مع بذل الأسباب، فالنبي لم يأمر المريض بالصبر فقط، بل قال ((تداووا عبادالله))، وقال في الجارية ((استرقوا لها فإن بها النظرة)) ... " الخ.
قال سمير: أولاً: أدخل الشيخ حديث ((تداووا عبادالله)) في مسألة السحر، مع أنه ذكر من قبل أن السحر ليس من الأمراض، فتناقض!
¥