وقد ورد الاحتمال على أقوال من أباح النشرة بالسحر، كما تقدم، ومعلوم أنها لو كانت نصوصاً شرعية، وورد عليها مثل ذلك الاحتمال في معناها، لبطل الاستدلال بها، فكيف وهي مجرد أقوال لا تنهض للاستدلال.
القاعدة الثالثة: " إذا تعارض حاظر ومبيح قدم الحاظر ".
ونصوص الكتاب والسنة حرمت السحر، وحرمت إتيان السحرة والكهان، وسؤالهم وتصديقهم، ووصفته بالكفر، وهو وإن لم يكن مخرجاً من الملة، فإنه يدل على التشديد والتغليظ في النهي، وأنه من الكبائر، كما هو ظاهر.
ولو فرض أن مع المبيحين للنشرة بالسحر، نصوص شرعية، فإنها مبيحة، وتلك حاظرة، والحاظر يقدم على المبيح.
القاعدة الرابعة: " درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة ".
ومعلوم قطعاً، أن في إباحة النشرة بالسحر من المفاسد العظيمة في الدنيا والدين، منها: تسلط الشياطين على عباد الله المؤمنين، وتكثير سواد السحرة المفسدين، وفيه تعطيل لإقامة الحدود على السحرة، إلى غير ذلك من المفاسد الظاهرة المتحققة.
وأما المصلحة المرجوة من ذلك فهي غير متحققة، بل هي أوهام عند التحقيق، لأنه قد لا يكون المريض مسحوراً، فيوهمه الساحر بأنه مسحور لينال منه أكبر قدر من المنافع الدنيوية.
وربما كان الساحر هو الذي قام بسحر ذلك المسحورأو أعان على ذلك، فيحتال عليه بأنواع الحيل، كما هو معلوم، فيظل المسحور رهينة في يد الساحر، يوجهه حيث شاء.
وربما احتج علينا الشيخ ببعض القواعد، مثل " المشقة تجلب التيسير "، و " الضرورات تبيح المحظورات "، فأقول باختصار: إن التيسير لا يصلح أن يكون بالهوى، وإنما له ضوابط شرعية أخرى معتبرة، وإلا لردت نصوص كثيرة، ولأهملت واجبات وفرائض، بمثل هذه القاعدة.
ثم إن التيسير لا يكون بما حرم الله تعالى وسماه كفراً وحذر منه النبي صلى الله عليه وسلم وذم متعاطيه، وأغلظ على السائل والمسئول، والطالب والمطلوب.
وإنما التيسير فيما شرعه الله وسنه رسوله صلى الله عليه وسلم، من الأمور، وقد شرع التداوي بالرقى والمعوذات والأذكار المتحقق نفعها في الدنيا والآخرة، وليس فيها أدنى مشقة ولا ضرر، بل هي منفعة محضة.
وكذلك الأمر في النشرة المباحة، فليس فيها إنفاق مال كثير، والجهد فيها قليل.
وأما المشقة فهي متحققة في إتيان الكهنة والسحرة، كما لا يخفى، والضررحاصل في المال، ومترجح في الحال والمآل.
وأما الضرورات التي تبيح المحظورات، فإنها مقيدة، فليس كل ضرورة تبيح محظوراً، فالشرك والكفر من المحظورات، ولا يباح من الكفر إلا ما نطق به اللسان في حال الإكراه.
وقتل النفس والزنا من المحظورات التي لا تبيحها ضرورة، والسحر من هذا الباب أيضاً.
ولا يصح أن يستباح محظور بما يجلب ضرراً أشد، وإثماً أعظم.
وضرر إتيان السحرة لحل السحر، أعظم من أثر السحر على المسحور.
وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم التداوي بالحرام والانتفاع به.
خاتمة
وبعد، فإني أسأل الله تعالى أن يبصرنا بالحق ويهدينا إلى سبيل الرشاد، وأن يجعل ما علمناه حجة لنا لا علينا، وأن يصلح نياتنا وأعمالنا، ويجعلها خالصة لوجهه الكريم.
وأقول للشيخ العبيكان، ولغيره ممن تصدى لإفتاء العامة في الفضائيات وغيرها، لا تغتروا بكثرة المستمعين ولا الموافقين من العوام، فإنها لا تدل على صحة الفتوى، فربما كانت موافقة لأهواء الناس فاستجابوا لها وفرحوا بها، وإنما العبرة بإصابة الحق، لا بكثرة الموافقين من الخلق.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكتب / سمير بن خليل المالكي المكي الحسني
جوال 0591114011
1/ 12 / 1430هـ
ـ[أبو محمد الحلوانى]ــــــــ[24 - 11 - 09, 07:11 م]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[24 - 11 - 09, 07:22 م]ـ
جزاك الله خيراً