قال ابن القيم: " كل ماشغلك عن الله فهو من لهو الحديث من غناء أو غيره فهو من لهو الحديث " 0
قال الألوسي في تفسير الآية: " ذم الغناء بأعلى صوت وقد تظافرت الأثار واتفقت كلمة الأخيار على ذم الغناء وتحريمه مطلقاً لا في مقام دون مقام " 0
قال القرطبي بعدما حكى التحريم وأقوال الصحابة: " هذا أعلى ماقيل في تحريمه " 0
وقد ثبت ذلك عن ابن عباد والقاسم من محمد والامام مالك 0
سئلوا جميعا ً ـ كلّ في عصره ـ عن حكم الله في الغناء 0 فأجاب " ـ كلّ في عصره ـ أيها السائل إذا كان يوم القيامة وجيء بالحق وبالباطل، ففي أيهما يكون الغناء، فقال في الباطل 0 فقالوا له ـ كلّ في عصره ـ والباطل أين يكون 0 قال في النار 0 قالوا له: اذدهب فقد أفتيت نفسك " 0
وشدد الله على الغناء في العصر المكي تطيرا للنفس كما في سورة النجم وهى مكية في قوله تعالى: ? أَفَمِنْ هَذَا الّحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ ولا تَبْكُونَ وأَنْتُمْ سَامِدُونَ فَاسْجُدُوا لله واعْبُدُوهُ ? 0
قال ابن عباس: " سامدون أى مغنون "، والسمود الغناء على لغة حيمر "0
قال عكرمة: " كان المشركون إذ نزل عليهم القرآن تغنوا كيلا يسمعوا كلام الله " 0
والسمو في اللغة: " هو السهو، والغفلة، واللهو والاعراض " 0
قال ابن القيم: " وهذه المعاني الأربعة كلها موجودة في الغناء " 0
كما ذكر الله تحريمه في سورة الإسراء، وهى مكية تشديداً على طهارة النفوس في رده على إبليس في قوله تعالى: ? واسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمُ بِصَوتِكَ ? 0
قال ابن عباس: " كل داع إلى معصية الله " 0
عن مجاهد قال: " صوت الشيطان الغناء والمزامير " 0
قال الحسن: " الدف " 0
قال ابن القيم: " والغناء من أعظم الدواعي إلى معصية الله " 0
ولذا يستحيل في حكم الله تعالى أن يحرم على المسلم النظر إلى الأجنبية تلذذا حتى لا تثور شهوته ولا يحرم عليه ماهو سبب في انفجار عواطفه وبراكين شهوته مثل الغناء 0
قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: " ويستحيل في حكمة الحكيم الخبير أن يحرمّ مثل رأس الإبرة من المسكر، لأنه يدعوا إلى كثرة الذي يدعو إلى المفاسد، ثم يبيح ماهو أعظم سوقا إلى المفاسد من الخمر وهو الغناء "0
ولما عقل السلف هذه المعاني أخذوها، فأخذ الجد مدركين مدى تأثير هذه المعازف والغناء في أخلاق أبناءهم، فقد ثبت عن عمر بن عبدالعزيز أنه قال لمأدب أولاد له: " ليكن أول مايعتقدون من أدبك بغض الغناء الذي مبدأه من الشيطان وعاقبته سخط الرحمن، فقد حدثني عدد من ثقات أهل العلم أن سماع المزامير واستماع الغناء واللهج به ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء العشب " 0
قال بقية السلف عبدالرحيم الطحان في محاضرة الغناء: " ولا يزال في الحياة مفاسد مادام الغناء منتشراً فالاصابة به أعظم بكثير من الإصابة بسائر الأمراض الخبيثة من سكر ومخدر، أو غير ذلك لأن كل ذلك ليزول إذا فطمت النفس عن الغناء، ولذا تقدم تحريمه بمكة على الحدود التي شرعت في المدينة، وقبل أن تفرض الفرائض من زكاة وصلاة وحج ليبنى القلب على الطهارة والفضيلة من البداية " 0
لذا فإني أقدم هذا البحث بين يدى القاريء الكريم، راجيا منه أن لا يسبق حكمه قراءته، بل وجب اإنصاف واتباع الحق وقراءة الأدلة والوقوف على أثار السلف وتبع منهجهم، وليست مسألة الغناء سبيل لكل أحد أن ييغني بها وفق مايريد، ولا هي وقف على مؤسسة دون أخرى، وإنما الحق أحق أن يتبع، ومن أراد تتبع رخص العلماء والبحث عن زلاتهم وسقطاتهم فأمره إلى الله وهو موكول إلى نفسه وحسابه عند رب العالمين على نيته ? يَوْمَ تُبْلَى السَرَائِر فَمَا لَهُ مِنْ قُوَةٍ ولا نَاصِرْ ? ومن أراد الحق فإن الحق أبلج وأثار الصحابة واضحة وأقوال الأئمة جلية 0
فليتق الله كل عابث، وليس في وسع أحد الاختيار إذا كان حكم الله في المسألة قطعى الثبوت والدلالة 0 قال تعالى: ? ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله ورَسُولَهُ أمْرَاً أنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةِ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمِنْ يُعْصِ الله ورَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينَاً ? 0 والله الهادي إلى سواء السبيل 0
¥