وأما أحياء الحرازات حيث يسكن آلاف الناس, فيبدو الوضع للوهلة الأولى كأن إسرائيل شنت عليها حرباً ضروساً , فلا يدري الناس عن أحوال المدينة شيئاً لقد حوصروا تماً فلا ماء ولا كهرباء ولا اتصالات ولا تصلهم النجدة , لأنهم بعيدون عن النطاق العمراني , وقد تعرضت الطرق المؤدية إليه للتلف الكامل.
وإذا اتجهت لطريق مكة القديم فيا لله العجب ... فكم من جثة طفت فوق الماء لم ينتشلها أحد, وأما حي الجامعة وكوارثه فأصبح الناس يصورون الجثث باحترافية في التصوير كما يصور الناس غروب الشمس عند البحر.
حي أم الخير شرق الخط الدائري , وفي منطقة وادي أبرق الرغامة حيث الفلل الجميلة , (التي كنت أحاول جاداً أن أسكن أنا وأطفالي المساكين في واحدة منها , لكنّ الله صرفها عنهم) , هنا ترى عشرات المصورين يقفون أعلى السدّ يصورون صراخ النساء والأطفال وهم يطلبون النجدة من على سطوح المنازل حيث غمر السيل المنزل بالكامل , هذه الفلل الجميلة بنيت أمام السد مباشرة وفي بطن الوادي , وتباهي الشركة أنها جعلتها تباهي بمواصفتها وتصريفها للسيول أرقى المواصفات العالمية , وبنيت بعناية ومهارة هندسية بالغة كما يقولون , والعجيب أن المخطط الملئ بعشرات الفلل بني برعاية وإشراف مسئول كبير سابق.
نفق مفتوح وطريق كبير بشارع (ولي العهد) سابقاً أو (الملك عبد الله) حالياً , أمام عمائر الإسكان, هذا الطريق الفسيح الذي يعتبر شرياناً مهماً للحركة بمدينة جدة يستعرض به المسئولون أمام كاميرات التصوير على جمال بنائه ودقة هندسته وحسن تخطيطه , في لحظات غمرته السيول بالكامل وأغرقت كل من كان بداخله من البشر والسيارات حتى ارتفاع خمسة أمتار!! , واكتشفوا أنه لا توجد به قنوات تصريف تليق بالأمطار!! وهكذا يفعل المهندسون الخونة بأمتهم.
والطريق السريع الدائري بجدة , هذا الشارع المجاور لمنزلي لا يعرف الهدوء حتى قبل الفجر , تمر به يومياً عشرات الآلاف من السيارات محملة بمئات الآلاف من البشر والحجاج والمعتمرين, وهاهو اليوم قد تمزقت أوصاله, وقذف السيل عليه ألوف السيارات المحطمة , فصورها الهواة وهي مكومة فوق بعضها , حتى أنه وصلت طوابق السيارات أربع طوابق , كأنها في محل لتجميع قطع غيار السيارات التالفة, وزاد عددها عن ثلاثة آلاف سيارة في منظر مخيف ومروع , صورها هواة المصورين بأجهزتهم المتواضعة أو الدقيقة العالية الجودة , وهم يعلمون أن الخونة سينكرون القصة من أساسها لو لم توثق وتصور الكارثة , وسيقولون كعادتهم: حادث عرضي وهناك بعض المتضررين فقط ولا داعي للتهويل.
سقط سور الجامعة الموقرة , وهو يزيد عن مئات الأمتار, حيث أشرف على بنائه الدكاترة (الذين يتبوؤن أعلى مناصب البلد) على أرقى المواصفات, وأعلى الخبرات الهندسية بدون نفاق وسرقة , ووصل السيل للمباني الجامعية, وللسكن الجامعي بكامل عمارته حتى عاش أهلها في هلع شديد , وكل ذلك بقدرة الله الذي أرسل جزءاً من السيل إليهم.
وخرج الإعلام الرسمي ليقول كلمته صبيح اليوم الثاني من الحدث , حيث لم يشعر كتاب الزور والخيانة أن الله لهم بالمرصاد , وظنوا أن الحدث يمكن ترقيعه , وحسبوا أن الذين صوروا لن يجرؤا على نشر صور القتلى والخراب الهائل , فكتبوا التقرير التالي:
" جدة 8 ذو الحجة 1430ه الموافق 25 نوفمبر 2009 م واس
شهدت مدينة جدة منذ الصباح الباكر هطول أمطار غزيرة شملت جميع أحيائها ولا زالت مستمرة وخرج أهالي وسكان جدة لمشاهدة الأمطار بعد طول انقطاع واكتظت شوارع وطرقات المدينة بالسيارات خاصة وان هطول الأمطار تزامن مع عطلة عيد الأضحى المبارك.
ورصد مندوب وكالة الأنباء السعودية فرحة الأسر والأطفال بهطول هذه الأمطار التي لم تعتاد عليها المدينة منذ سنوات طويلة , وتوجه بعض أهالي سكان جدة إلى شواطيء الكورنيش والاستمتاع بهذه الأجواء المناخية الجميلة والرائعة والفرحة تملئ النفوس بان انعم الله عليهم بهذه النعمة المباركة.
وفي الوقت الذي أوشكت شبكات تصريف الأمطار في مدينة جدة على الانتهاء إلا أن بعض شوارع المدينة تجمعت فيها الأمطار وسببت بعض الاختناقات المرورية ولم يتذمر الأهالي لمعرفتهم أن شبكة التصريف لم تنتهي بعد .. " انتهى التقرير
هكذا تكتب التقارير, وسيسألهم الله عن كل حرف فيها ....
¥