لم يكن ليتحدث الإعلام الرسمي حتى نشر الناس صور الوقائع المأساوية , وتداولها على الإنترنت , فتناقلها الإعلام الغربي , وهنا تحرك الإعلام الرسمي تحت تأثير الضغط من الخارج عليه , لقد تعود الناس في العالم الإسلامي والعربي بالذات على مغالطة الحقائق , لكن ثورة الإنترنت قلبت الموازين المهنية , وحركت الماء الذي توقع أرباب الإعلام الفاسد أنهم نجحوا في تسكينه.
*******************
وفي لحظات الحدث وبعد خمسة أيام تقريباً يعيش الناس في هلع شديد أن علموا أن السدّ الكبير الذي يحجز بحراً هائلاً من مياه الفضلات وما يسمى بالصرف الصحي قد ينهار فيغرق الناس , يقع هذا السد الكبير شرق مدينة الجميلة , يحتل مسافة كبيرة من الأودية والجبال.
يفكر عشرات الناس بالهرب ويهربون فعلاً للقرى والمدن الأخرى , فمن يرضى أن يغرق في مياه القاذورات والنجاسات , وكيف سُيكتب تاريخ مشرق لأمة يغرق في بحيرة قاذوراتها الأطباء والمهندسون وأساتذة الجامعات وخبراء النفط!!.
لقد بنى الخونة السد بجوار المدينة وفي أعلاها , وحولوا مياه المنازل والقاذورات لتتجمع فيه , لقد نافس حجم الماء فيه حجم شرم (أبحر) وهو من أجمل شواطيء جدة , إنهم لم يجدوا خطيباً ينكر عليهم علناً , ولم يسمعوا أن مجموعة من العلماء اجتمعوا وأصدروا بياناً بتجريمهم وطلب محاكمتهم , وأصبحت الصحافة والإعلام بيد ضعفاء الكتبة فقد أخُرِس الناطقون بالحق , وسمحت الوزارات الكبرى من البلديات والتخطيط وغيرها ببناء الأحياء السكنية بالعشرات حتى قاربت الأحياء السد الكريه الرائحة , وذهب الناس هناك ليبنوا ويسكنوا.
فقد جاء الملايين لمدينة جدة يبحثون عن الرزق الحلال والسكن الهنيء بدلاً من حياة القرى المهمشة والمنسية في ركاب عجلة التطور , جاؤا ليعملوا في مصالح الحكومة , أو شركات التجار الجشعين الذين يلتهمون حقوقهم , جاؤا بأطفالهم ونسائهم , في أحياء السامر والأجواد والتوفيق والصفا وغيرها من الأحياء الكثيرة.
بنى لهم التجار مخططات هي في الأصل منح وهبت لهم أو لغيرهم , فأسكنوا فيها الناس لتتحرك عجلة التجارة في المدينة التجارية الضخمة , وبذلت الدولة أمولاً ضخمة للبنى لتحتية ولكنها سرقت في وضح النهار وليس في ظلمة الليل , والناس صامتون لأنه يهمهم البحث عن لقمة العيش.
هاهي سيارات الدفاع المدني تصيح بأعلى صوتها , تجوب الشوارع تطالب عشرات الألوف من الناس بسرعة الإخلاء لأن بحيرة السد قد فاضت , هاهم يخرجون حيارى بعد أن رأوا ما حدث بالأحياء المجاورة , تم إخلاء مستشفى الولادة بجدة , وتم إخلاء مستشفى العيون بجدة , القنوات تعلن تحذير بسرعة الإخلاء , والناس يخرجون لا حول لهم ولا قوة لا يدرون عن القدر وماذا سيحدث.
سيهربون لأقاربهم إن وجدوا قريباً في المدينة يبيتون عنده , أو يبيتون في العراء إن لم يجدوا أحداً , وسيخرج الإعلام ليقول: إن الأمور مطمئنة والأوضاع سليمة والآليات تعمل بكفاءة عالية , وعليكم العودة لأنّ مؤسسات وشركات الوطن تحتاج للعمال من أمثالكم وتحتاج للموظفين المطيعين فعودوا ولن يحدث شيء.
********************
جاء السيل في يوم التروية وفي صبيحة اليوم الذي صرح مدير الأمن العام وهو يتحدث عن مخاطر السيول أمام الإعلام بقوله: (لا يوجد لدينا مفاجآت في الحج , وآلياتنا جاهزة لكل طارئ) ليقول السيل لكل الخونة: ستكتب شهادتهم ويسألون.
ربما لو قدر أن تضرب مدينة جدة بعشرات القنابل , وعشرات الطائرات فلن يبلغ الوضع ما بلغ.
لقد نزل الجيش لكي يشارك في الإنقاذ , ولو تجمعت عشرة أضعاف رجال الدفاع المدني في المنطقة لما قدروا على إصلاح الفساد الكبير الذي خلفته السيول.
توسعت المدينة , وأصبح التجار يلهثون خلف مكاسب مالية ضخمة , نتيجة لبيع أراض بيضاء أقطعت لهم , وسرى الفساد الإداري وضرب بأطنابه , وتملك الأمراء والوجهاء (بأمر الحكومة وتصديق شيوخ وقضاة المحاكم) مجاري السيول وبطون الأودية الكبرى, وحازوا صكوك الإقطاع والمنح السلطانية البغيضة.
¥