تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كم يكرُّ الزمانُ متئدَ الخطوِ ... وغصن الصبا عليك وريقُ

[حمزة شحاته، ديوانه: 67]

هاهي اليوم قد بكت عيناها الجميلتان ..

غنّت حنجرتها الذهبية ألحان الشجنِ .. وترانيم الموت ..

تناثرت خصلات شعرها الذهبيِّ ..

والأسوأ من ذلك .. تناثر بنوها .. فلذات أكبادها .. تجري بهم المياه إلى أمر قد قدر!

وبدلاً من أن نتكاتفَ لاحتواء الكارثةِ، وغوثِ الملهوفين، وإعانة المتضررين، ومحاسبة المسؤولين عما جرى ..

بدلاً من أن نصفقَ لكل جهدٍ مهما قلَّ ونطالبَ بما هو فوقه ..

بدلاً من ذلك تحولتِ الكارثة إلى فرصةٍ لتصفيةِ الحسابات!!

فالساخطون على المشايخ والدعاة وجدوها فرصةً سانحةً ليصبوا جام غضبهم عليهم لأنّهم – في رأيهم - لم يفعلوا كل ما يجبُ، واقتصروا على البيانات، وأثبتوا بذلك أنهم لاهمّ لهم سوى قضايا الاختلاطِ واللحيةِ والغناء!! ولم ير أحدهم بأساً بأن يعتبرهم " حالة من القيد والسلطة المكبلة والمعيقة عن أيِّ حراك إصلاحي ونهضوي "، وبالتالي فعدم سماع صوتهم هو " فترة من النقاء وفرصه للخلاص من تسلطهم على الشعوب المسكينة" .. ونسيَ هؤلاءِ أنَّ منهم من بُحَّ صوتُهُ دفاعاً عن الحقوق، وأنّ منهم – وكفاه فخراً – من سعى في سعياً مبروراً في حل أعتى مشكلة اجتماعية .. مشكلة الفقر.

والساخطون على الإعلاميين وكتّابِ الصحفِ والمنضوين تحت وصف المثقفين وجدوها فرصةً سانحةً ليثبتوا – في رأيهم – كذب وطنيتهم؛ لأنهم حين احتاج إليهم الوطن والمواطن خذلوه، وصمتوا عن جرح الوجعين، ووقفوا مع المتنفذ الفاسد يلومون المواطن الغلبان لأنه سكن في مجرى سيل، ناسين أن بين يديه رخصاً من البلدية والدفاع المدني والكهرباء والهاتف، وأنه – أي المواطن – ليسَ عالماً جيولوجياً ولا خبيرا طبوغرافياً!! ونسي هؤلاء أنّ من هؤلاء الكتابِ من كان شريفَ القلم حرّ الحرف جريئاً حين جبن الآخرون.

والمولعون بتصيُّدِ ما يسمونه عثراتِ الخطاب الديني شغلوا أنفسهم طويلاً بالردّ على فكرةِ أنَّ هذه الكارثة قد تكون عقوبةً من الله، لأنّه من العجيب – كما يقولون – أن يكون هناك ربٌّ " يشاهد (المجرمين) يقضون إجازاتهم على شواطئ بعيدة كل البعد عن جدة، ثم يُغرق الفقراء و الضعفاء في قويزة و الكرنتينة و السبيل "!! وكأنَّ الله يُجري أقداره في هذا الكون وفقَ مقاييسنا العقلية نحن!! ويرتب مستحقي العقوبة وفق الترتيب الذي نراه نحن!! ونسي أننا حتى لو سلمنا بأنها ليست عقوبةً وإنما هي إنذارٌ أو ابتلاءٌ أو مجردُ حدثٍ كونيّ .. فسيبقى السؤال نفسه .. لماذا " يشاهد هذا الربُّ (المجرمين) يقضون إجازاتهم على شواطئ بعيدة كل البعد عن جدة، ثم يُغرق الفقراء والضعفاء في قويزة والكرنتينة و السبيل"!!

والناقمونَ على كل شيءٍ حكوميٍّ يرون أن أيَّ عملٍ أو قولٍ مهما كان لا يمكن أن يكون مجدياً و لا مفيداً ما لم يبدأ باتّهام رأس النظام الحاكم .. أي: الملك شخصياً .. وأنَّ أي توجيه للوم لآخرين هو اتهام لمجردِ ثمرةٍ متفرعةٍ من شجرةِ الظلم الكبيرة!! وعليه فأي محاولةٍ تتجاوز هذه الخطوة إنما هي مخادعةٌ للوطنِ والمواطنِ. ونسي هؤلاء أن هذا التسطيح على مرّ التاريخ لم يؤد إلا إلى الفتن والكوارث.

والعجيب أن الجدل في هذا كله لم يكن حوار فكرٍ، ولا نقاش حجةٍ، بقدر ما كان غيظاً متفجراً، وسيلاً بركانياً من السباب والشتائم والسخريات!

وهكذا تتحوَّلُ كوارثنا إلى كوارث مضاعفةً!

وبدلاً من أن توحّدنا المصائبُ كما هي عادةُ العقلاءِ .. بل عادة البشر .. أصبحنا ولاشيء يفرقنا كالمصائب!

وعلى شوقي – رحمه الله – أن يراجع نفسه حين قال:

فإن يك الجنسُ يابن الطلح فرقنا .. إن المصائب يجمعن المصابينا!

أيّها السادة ..

لقد كان الجرح موجعاً بكل المقاييس ..

أكثر من مئة شهيد ..

عشرة آلاف لاجئ ..

عشرات المفقودين ..

أكثر من ثلاثة آلاف بيت مدمَّر ..

أكثر من ثلاثة آلاف سيارة محطمة ..

عشرات الكيلومترات من الأرصفة والطرقِ والجسور تضررت ..

العشراتُ من المؤسسات التعليمية – وعلى رأسها الجامعة – تعرضت لأضرار بالغةٍ ..

إنَّ هذا الحجم من الخسائر يستوجبُ منّا أن نكون على قدر المسؤولية ..

وأولُ ذلك أن نشعرُ بالمأساةِ شعوراً حقيقياً ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير