تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إنَّ من المؤلمِ أن نجد بعضَ أبناء هذه المدينة ممن سلمهم الله من أثر السيلِ والمطر، أو ممن يعيشون في مناطقَ آمنة ودور حصينة لا يشعرون بشيءٍ مما جرى .. ينظرون إلى الصور نظر المتعجب! ويتابعون المقاطع متابعة المستغربِ دون أن يكون لكل ما جرى وقدةٌ في القلبِ، وحسرةٌ في الفؤاد، وألمٌ في النفس.

كأنهم نسوا قوله صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى).

هؤلاء إخواننا .. بل هم فوق ذلك جيراننا .. وأبناء مدينتنا فكيف لا نحترق أسى لما أصابهم؟ كيف لا نبكي لأب فقد زوجه وأولاده وبناته؟

كيف لا نبكي على تلك الطفلة التي جرفها السيل فلم يجدها أبوها إلا على بعد أكيال وقد ماتت مادةً ذراعيها كأنها تقول: أنقذوني أنقذوني؟

كيف لا نجهش مع زوجٍ ظل يبحث عن زوجه ثلاث عشرة ساعةً ثم إذا هي تُنتشل من السيل جثةً هامدة؟

كيف لاتدمينا مناظر الآلاف وقد باتوا بلا مأوى؟

كيف لا تجرحنا حكاية المساكين الذين أنفقوا أعمارهم وأموالهم ليبنوا بيتاً صغيراً يؤويهم وذويهم .. ثم إذا هم في العراء؟

إذنْ أولُ ماهنالك أن نشعر بالمصاب حقاً.

والأمر الآخر ضرورة النظر في جملة من الاعتبارات الإيمانية المهمة ..

أولها: التوبة والأوبة.

ودعوني أتجاوزُ هنا ذلك الجدل العقيم حول كون هذه السيول عقوبة لأهل جدة أم لا، وأنتقلُ إلى رؤيةٍ أخرى هي حقيقةُ أنّ ماحصل هو مظهر من مظاهر قدرة الله جل جلاله إذْ جعل من الماء الذي هو سرُّ الحياةِ كائناً مدمراً لا يقف في طريقِهِ شيءٌ.

وهذه الجهةُ وحدها كافيةٌُ لأن يجدَ المؤمن نفسه مضطراً للاستغفار والتوبة والإنابةِ لهذا الرب القادرِ سبحانه. ولأن يكون متخوفاً من عقوبة الله وسخطِهِ.

وخوف المؤمن – وإن كان صالحاً تقياً - من عقوبةِ الله مشروعٌ، فقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلقِ إِذَا رَأَى مَخِيلَةً فِي السَّمَاءِ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ وَدَخَلَ وَخَرَجَ وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ فَإِذَا أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ سُرِّيَ عَنْهُ فَعَرَّفَتْهُ عَائِشَةُ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَدْرِي لَعَلَّهُ كَمَا قَالَ قَوْمٌ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ}. [البخاري]

والاتعاظُ بما يصيبُ الإنسان, والخشيةُ أن يكون ذلك بسبب تقصيره مسلكٌ شرعيٌّ، وسنةٌ نبويّةٌ، فحينَ ابتلي المؤمنون في أحدٍ نزل قول الله: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، هذا وهم خيرةُ الخلقِ، وأصحاب نبيّ الحق صلى الله عليه وسلم.

ومثل هذا الاتعاظ والاعتبار شيءٌ، والشماتةُ بالمصابين وإلصاقُ ذنب غيرهم بهم، ومجابهتهم بغليظ القول وهم في مأساتهم شيءٌ آخرُ تماماً.

الاعتبار الثاني: هو تذكُّرُ زوالِ النعمِ ..

اقرؤوا معي قول الحق جل جلاله: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون (96) أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون (97) أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون (98) أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) [الأعراف]

لقد طال بنا الأمنُ .. وامتدت بنا العافيةُ .. حتى ظننا أننا في مأمنٍ، وأن ما أصاب دولاً أخرى حولنا لا يمكنُ أن يصيبنا، فركنّا للدنيا، وذهلنا عن مصاب إخواننا في شرق الأرض وغربها، فها نحنُ الآن نفيقُ على واقعٍ مرعبٍ، هانحن نرى دورنا مهدمةً وأحبابنا قتلى ومعارفنا مشردين!!

ياله من تحول هائل .. لم يستغرق أكثر من يوم واحد من عمر الزمان!

يومٌ واحدٌ تحوّل فيه الهانئ المرفهُ الذي يملكُ فيلا كبيرة وسيارة فاخرةً إلى مشرَّدٍ حافٍ!!

تحولنا نحنُ من مجتمع لم يعرف سوى الأمن والاستقرار إلى مجتمع بات يتداول مصطلحات: النزوح والإخلاء ومخيمات اللاجئين!!

وصدق من قال:

ما بين طرفة عين وانتباهتها ... يغير الله من حال إلى حالِ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير