تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لقد كسى الله نطق عوامهم ملاحةً وجاذبية تأخذ بتلابيب القلوب، وليس كذلك عامية السواحل ووسط الجزيرة .. وأما زجل أمثال أحمد رامي وعبدالوهاب محمد وبيرم التونسي فهو لغة المثقفين .. وفي أيام الصبوة بثثتُ شكواي من فساد الذوق في حلقة نشرتها بعنوان: (بكائية لأم الملايين)، ثم توقَّفتُ عن نشر الباقي؛ مخافةَ أن أجرح بعض المشاعر .. وهكذا فعلتُ في قصائد لي من الشعر المُبَعْثر إلا أنه يحكمها قفزات الخبَبِ النِّزاريَّة .. وذوق بعض السِّمِّيعة في بلادي إنما هو تَذَوُّقُ شعر عامي قصير النفس تردح به الطَّقَّاقات الأُمِّيَّات في الأعراس، وردحهن كلعب الفطَّر الشِّيب (الإبل)، والعامة تقول: (يا شين لِعْبِ الفطَّر)!! ..

يعجبون من القبح .. وردح الطقاقات يجعل الأرض تراب صِير الباب (7) , ولا جمال فيه أداء, ولا مخارج، ولا نبراً .. ولا جمال في رقص الإبل فتبارك الله أحسن الخالقين!! ..

ولو أنصفوا لقالوا: (مطرب العامية، أو المطرب الشعبي).

قال أبوعبدالرحمن: ومن ذلك العاجل أنني كنت أحفظُ كثيراً من القرآن الكريم، وأنوب عن الإمام في صلاة التراويح فيما بين عام 1382هـ و1388هـ، وكان أحد المشايخ الفضلاء من أترابي يأتي إليَّ بعد صلاة الفجر لنُكْمل حفظ القرآن الكريم .. ولكن لتعاطي الغناء والانمياع مع الظرفاء والمطربين كبليغ حمدي ومحمد سلطان وغيرهما، وبتأثير المُجَّان: تراجعت القهقرى عن المسجد إلا لِمَاماً، وقطعتُ مواصلة حفظ القرآن، واستوحشتُ من مجالسة الصالحين سوى عدد من المشايخ يأنسون بي، وشعرتُ أني عندهم من المؤلَّفة قلوبهم يستألفونني، ومن أكثرهم تَخَوُّلاً لي بالموعظة سماحة الشيخ عبدالله ابن حميد (8) بعد شيىء من الممازحة، وسماحة الشيخ صالح ابن غصون، وشيخي الدكتور عمر ابن مترك رحمهم الله جميعاً .. وأما سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله فقد انقطعتُ عن درسه بالجامع الكبير قبل أن يكثر جمهوره من طلبة العلم لما كان يأمُّ المصلين أحياناً قبل تفرُّغ ابن هُدَيَّان رحمه الله للإمامة، ثم عاودتُ ذلك في آخر حياته على استحياء، ولا أزوره إلا لماماً لحاجة، وكان أشدهم عتباً وتعنيفاً، ولكن يتبع ذلك البكاء والدعاء .. وقد ذكرت في التباريح أن سماحة الشيخ محمد ابن عودة متعه الله بالصحة والعافية اتصل بي هاتفياً وبيتي شرق شارع جرير؛ فقال: (السلام عليكم)، فرددت عليه بتحية الإسلام ولم أعرف صوته، فقال: (يا شيخ محمد)؛ فعاجلته قبل أن يتم كلامه بعجرفة (9)، وقلت: (لست شيخاً، ولا أحب المشايخ) .. فقال: أنا أخوك محمد ابن عودة، وعدم حبك للمشايخ سلمك الله لن يضعهم، وحبك لهم لن يرفعهم، ولكنني مدعوٌّ عندك الليلة (وكان عندي معالي الشيخ ناصر الشثري، وسماحة الشيخ راشد ابن خنين متعهما الله بالصحة والعافية، والشيخ محمد البواردي رحمه الله، وآخرون نسيتهم): فخجلتُ أشد الخجل، وغصصتُ بريقي، وقلت: يا شيخ محمد: لا تؤاخذني فإنني كثير المزاح .. فقال: عذرك مقبول، ولكن صِف لي البيت!! ..

وقبل أن تنقطع عني أخباره كان يذكرني دائماً بهذا الموقف .. ومن تأثير أولئك المُجَّان أنني أُنسيتُ ما حفظته.

من القرآن الكريم، وعَسُر عليَّ جداً استذكاره، بل كانت معاناتي لحفظ سورة جديدة أيسر؛ وبفضل الله كان من الأثر العاجل الذي أسلفته أن يسر الله لي استعادة كثير مما أُنسيته مع مواصلة حفظ جديد .. ولكنَّ تلاوتي للقرآن مطالعة أو حفظاً على غير ما أعهده؛ بل كانت قراءة واعية يَرِقُّ لها قلبي، وتدمع لها عيني على خلاف سنوات الغفلة والانهماك؛ فقد كانت عيني جامدة، وقلبي قاسياً إلا في لحظات نادرة، وكان الله يفتح عليَّ من فهم المعنى ما كان يمرُّ سابقاً من حنجرتي من غير وعي .. ومن ذلك العاجل أنني أتابع إذاعة القرآن الكريم إن كنت في عملٍ حِرفي كترتيب مكتبتي، وأضع الراديو على مكتبي بصوت خافت؛ فإذا لفت نظري تلاوة أو حديث رفعت الصوت وأصغيت .. وكنت أتأذى أحياناً من أحاديث ودروس غير محققة، ومن بعض التمعلُم، ومن بعض أصوات لا تلج معانيها في قلبي، وسأذكر شيئاً من ذلك إن شاء الله .. ولكن في مرات أخرى أسبح مع بعض المتحدِّثين بخشية؛ لأن ما خرج من القلب دخل في القلب كسماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله؛ وإنني لأعجب كيف يهزني حديثه بعد لقائه ربه ولم أُلْقِ له بالاً في

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير