ولما كانت الكنائس الغربية تئن من الحروب الدينية , والصراع المميت بين الكنائس أصبح هو المادة الدسمة للتاريخ الأوربي , أحببت أن أقدم كلمة يسيرة يتضح منها أن سويسرا ليست كما يتصورها البعض منا بفعل الإعلام العربي البعيد عن مثل هذه القضايا.
تعد سويسرا معقلاً مهماً من معاقل النصرانية اليوم , وليست كما يعتقد بعض الشباب والعامة أنها مجرد جبال مكسوة بالخضرة والثلج , ومزارع منتشرة , ويسكنها أناس بسطاء ومساكين لا همّ لهم من الحياة إلا المحبة والتسامح.
ليست تلك حقيقة سويسرا فتاريخها الدموي والقاسي في التعامل مع المخالفين لديانتها جعل تاريخها من أكثر تواريخ الكنيسة دموية وقسوة , ويمثل التاريخ السويسري إحراجاً للكنائس الكاثوليكية و البروتستانتية على السواء , وإذا كان يوجد فيها قلة من الأخيار ففيها كثير من ألمتعصبين للكنيسة بنوعيها الكاثوليكي والبروتستانتي.
ولعلي لا أطيل على القاري النبيل لأن الخروج للتاريخ بتفاصيله يحتاج لمجلدات لسرد الوقائع والأحداث المأساوية , ولكني أتنقل بين بعض الحقائق التي تعين على معرفة الخلفيات الدينية للبلد.
أولاً: مما يعلمه الناس جميعاً أن سويسرا تتمسك بديانتها النصرانية , وتفخر بأنها تحمل الصليب شعاراً لها في علم الدولة , وهي بذلك تشابه أكثر من خمسة عشر دولة من دول العالم أغلبها من أوروبا , تفخر بكون شعارها صليباً يرمز لعقيدتهم المحرفة (وللفائدة , فليس كل النصارى اليوم يؤمنون بالصليب , بل هناك ملايين من النصارى اليوم ينكرون الصليب بشكله الحالي ولهم أقول مختلفة في طريقة صلب المسيح , ويعدونه عبادة وثنية , ويأمرون بطمسه وطمس الصور والتماثيل من الكنائس , ولهم كنائس وتجمعات وأحزاب كبرى تعد بعشرات الملايين اليوم العالم النصراني نفسه) , ولك أن تتخيل الملايين منهم ومن غيرهم مثل الدنمرك والسويد وهم يحيون شعار الصليب وبعد ذلك يريدوننا نتخلى عن رموزنا الدينية لأنها تربي على التميز و تدعوا لعدم الاندماج الكامل.
ثانياً: ولعراقة سويسرا في النصرانية فإن حراسة بابا الفاتيكان لا تكون إلا من الحرس السويسري , وهذا من المسلمات في حياة الكنائس الكاثوليكية اليوم , ويعتبر من الطقوس المهمة التي تراعى وتدرس في الجامعات والمدارس , فالحرس السويسري هو المكلف منذ خمس مئة سنة بحراسة البابا في روما , , وكل من يبحث عن كلمة (الحرس السويسري) في المعاجم أو القواميس أو محركات البحث فإن المدلول لهذه الكلمة هم حراس الفاتيكان.
ويتميز هذا الحرس بلباسه الشهير ذي الألوان المميزة , وإلى اليوم لابد أن يكون حراس البابا الشخصيين وحراس الفاتيكان عموماً وحراس ممتلكات كنيسة القديس بطرس من السويسريين الأصليين القادمين عبر جبال الألب إلى روما , والعجيب أنه لا يحرس الفاتيكان الحرس الإيطالي كما هو المفترض لأنه يسكن في روما وليس في سويسرا , والسبب أن الفاتيكان كان وربما لا يزال لا يثق في ولاء الجنود الإيطاليين للنصرانية والبابا , ولازال شعب سويسرا بكافة أطيافه يعتز بذلك ويعدونه شرف لهم أن يحموا الكرسي الرسولي كما يزعمون , وأكثر الأسر الكاثوليكية تفخر بأن أحد أبنائها أو أحد أجداها كان ضمن هؤلاء الحراس.
********************
البروتستانت وخداع الكلمات
ثالثاً:
تقول العرب: " ليس كل ما يلمع ذهباً " , وسبب إيراد هذا المثل هو أن بعض المسلمين عندما يسمع عن الكنائس الإصلاحية يظنها أكثر تسامحاً وانفتاحاً مع الآخر , فكلمة الإصلاح لها رنين في الأذن ووقع في القلب , حتى أن المرء لينخدع باسمها , وظن البعيد عنهم أنهم أفضل وأرحم من النصارى الذين قادوا الحروب الصليبية ومع تعصب الكنيستين , وكرههم جميعاً للإسلام ورسوله العظيم , إلا أن كنيسة روما حاولت أن تعترف بالحوار والتقارب مع الإسلام في بداية الستينات الميلادية , وهو مالم يفعله البروتستانت من خلال الكنائس الرسمية.
ومع أن البروتستانت تعني في أصلها كلمة (المحتجون) إلا أنههم جعلوها بمعنى الإصلاح .. وكثير من الناس تعود على أن حركة (مارتن لوثر) الألماني إصلاحية أفضل من الكاثوليك , وحاولت أن تتجنب مساوئ الكنيسة التي نعرف , وجعلت من النصرانية نموذجاً منفتحاً أو متسامحاً على الأقل.
¥