وهذا القول ينقصه كثير من الدقة والتحرير , بل إننا يكمن أن نقول إن أكثر النصارى تعصباً اليوم وتمسكاً بحذافير الدين النصراني المحرف همّ أتباع البروتستانت.
والسبب في ذلك , هو أن البروتستانت عندما ظهروا في القرن السادس عشر الميلادي كانوا يحاربون تقديس الفاتيكان لباباواته وسرقة أموال الناس, ويحاربون فساد الباباوات والأساقفة الكبار الذين يبيعون صكوك الغفران , وينادون بالعودة للتمسك بحذافير الكتاب المقدس , وعدم اختراع عبادة أو طقس لم يرد في الكتاب المقدس , وكانوا يرون ضرورة حرمان تبديع كل من يخالف الكتاب المقدس وعدم محاباته مها كان منصبه أو مكانته , و ينادون بضرورة الإيمان ببشارات الكتاب المقدس , ويسعون لإعادة علاقة الناس بربهم المخلص كما يزعمون.
ولذلك لا يعجب المرء عندما يرى دولة وحشية ودموية مثل أمريكا تعتبر دينها الرسمي هو المذهب البروتستانتي , ولن يؤثر فيهم صراخ المسلمين وهم يذكرونهم بعبارات عيسى المشهورة في الإنجيل: " أحبوا أعدائكم , باركوا لاعنيكم, أحسنوا إلى مُبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم " وذلك بسبب أنهم يعتقدون التكفير والحرمان من شركة الإيمان لمن يخالفهم من النصارى ولو كان يؤمن ويتفق معهم في كثير من الأصول , فكيف بديانة مثل الإسلام لا يؤمنون بها أصلاً ولا يعترفون بأن لأصحابها فضلاً عليهم ولا على تاريخهم.
وأكثر الفرق المتدينة المتعصبة لدرجة الجنون اليوم في العالم من النصرانية هم طائفة من البروتستانت يتبعون الأنابابست وهم طائفة الأميش ( Amish ) , ومن رأى صورهم في الإنترنت أو المجلات يظن أنهم أبطال أحد الأفلام من القرون الغابرة , فهم يحرمون الكهرباء والسيارات وركوب الطائرات , ولازالوا يتنقلون بالعربات والأحصنة إلى اليوم , ويحرمون التعليم النظامي والضرائب والتأمين , ويحرمون الصور بأنواعها وخاصة ألعاب الأطفال والبنات , ويمنعون التدخين والمسكرات ويلزمون نسائهم بالحجاب والحشمة , وغير ذلك مما يعجب المرء عن سكوت الإعلام الغربي عليهم وهجومه فقط على المسلمين وحدهم , وتعدادهم بمئات الألوف وأغلب تواجدهم اليوم في أمريكا بولاية بنسلفينيا وقد هربوا إليه بعد أن لاقوا العذاب في وطنهم الأصلي ألمانيا , ولهم تواجد قليل في ألمانيا وأوروبا.
هؤلاء (الأميش) لم يجبروا على الاندماج في المجتمع والذوبان فيه , ولم تفرض السلطات عليهم بطشها , ولم يسلط الإعلام عليهم سفهائه ورغم ذلك تم إعفائهم من الضرائب وهي من الكبائر في دول العالم التي توجب الحرب والسجن على المتهرب منها , وكل ذلك بزعم ترك حرية التدين لهم لأنهم من النصارى فقط!!.
يعتبر منبع فكرة البروتستانت من دولتين كما يعلم العارفون بتاريخ الكنيسة , الظهور الأول كان في ألمانيا على يد (مارتن لوثر) , والثاني كان في عصره تماماً وهو في سويسرا على يد (زونجلي) ومن ثم ظهر بعد في سويسرا مرة أخرى المصلح الأكثر شهرة اليوم على مستوى العالم (جون كالفن).
يكتسب (زونجلي) أهمية خاصة في التاريخ البروتستانتي , لأنه أباح الزواج للكهنة والرهبان , ويشاركه أيضاً لوثر في ذلك , وأيضاً قام بعدد كبير من الإصلاحات داخل الكنيسة , ولكنه في آخر حياته حرر الكنيسة السويسرية من ظلم الفاتيكان وإقطاعهم , وقد ألزم على الناس في حياتهم أموراً تتساهل فيها كنيسة الفاتيكان , فمنها أنه ألزم النساء باللباس المحتشم , وحرم الموسيقى والملاهي في البلد , وأمر بكسر الأصنام والتماثيل في المدن والقرى السويسرية لأنها من بقايا الوثنية , وكان يقول للناس إنكم تقدسون الصورة وتعبدونها ولا تقدسون يسوع , وبسرعة بدأت الكنائس التي تتبعه في إخراج الصور وتحطيم الصور والإيقونات , وكان متحمساً جداً لفكرته , واتبعه ألاف الناس وعدد من الكاونتنات (أي المقاطعات السويسرية) , وكان في بداية أمرة يتوافق مع لوثر , ولكنهم اختلفوا في قضية العشاء المقدس وحقيقته , في أمور تفصيلية كثيرة أدت للقطيعة والهجران بينهما مع أن زونجلي أقرب للعقل منه للوثر.
ثم تحالفت عليه القوى الكاثوليكية , وبدا في اتخاذ الجيوش , و دخل معركة حامية مع جيوش الفاتيكان في سويسرا , فسقط صريعاً عام (1531) في معركة تعرف باسم معركة (كابل) وهي مدينة في سويسرا.
¥