ولما توفي قال مارتن لوثر الألماني عن زونجلي " إن موت زونجلي هو العقاب المستحق على كبريائه التي لا تقاس " , وهذا من لوثر إجحاف وتمادي وهو يبين مدى تسامح البروتستانت مع بعضهم البعض , وقد بقيت أراء وحياة وتقشف زونجلي إلى اليوم تضخ في الشباب النصراني السويسري الحماس , مع قصص الشهداء المعاصرين له , أو الذين يعتبرون من طلائع الحركة الإصلاحية العامة.
يقول المؤرخ البروتستانتي الشهير (أندري ملر) في مختصر تاريخ الكنيسة وهو يتحدث في فصل طويل جداً عن استشهاد روتمان وآل رث في عهد (زونجلي) وغيرهم من السويسريين ممن أثر على حركة السويسريين الطويلة: " ألان يمكن القول أن حركة الإصلاح في سويسرا قد تعمدت بالدم " ص539.
وإذا تركنا زونجلي قليلاً , فلابد أن نذكر الشخصية الشهيرة التي تعتبر هي من أركان البروتستانت اليوم في العالم ويتبعها أكثر من خمسة عشر مليون شخص , وقد دخلت سويسرا وعاشت بقية عمرها هناك , وغيرت في مفاهيم النصرانية إلى اليوم , وهو (جون كالفن) (1509 - 1564).
ويتميز كالفن بوحشية فضيعة (وسيأتي ذكر بعضها) , ورغم أن أتباعه يحاولون أن يظهروه بمظهر المتسامح اللين مع أنهم يثبتون القصص والمذابح التي فعلها , ويبررون له ذلك بحجة أنه لم يكن لديه خيار آخر كما يزعمون في ذلك العصر!!.
كالفن ولد في فرنسا , ولكن عرفت دعوته وبدأ نشاطه من سويسرا , وكانت أرض وأهل سويسرا بالنسبة له أفضل من أي مكان آخر , وعاش أغلب عمره في سويسرا حتى مات هناك , ولذلك أقترن تاريخه بتاريخ سويسرا وأثرّ على الفكر الإنساني والفلاسفة الذين جاءوا من بعده.
أراد كالفن بعد مقتل زونجلي أن يرتب الكنيسة ويصلح النظام الكنسي , وفعلاً بدأ بتأليف الكتب , وبدأ بنشر أتباعه , وأخذ يخالف الكرسي البابوي وينتقد تصرفاته , مما جعل كثيراً من السويسريين ينضم إليه , , وهذا انشقت سويسرا إلى قسمين , قسم كاثوليكي يتبع البابا وفكره وطريقته , وفكر بروتستانتي يتبع كالفن أو لوثر ومن على شاكلتهم , ولكن كالفن لأجل نشر أفكاره كان عنيفاً لدرجة الجنون في قمع كل من يخالفه , وهي عادة أصبحت سجية عند كثير من البروتستانت تتحدث في العقل الباطن الذي لا يشاهده كثير من الناس.
ولازال جميع مؤرخي النصرانية في العالم من منتصف القرن السادس عشر إلى اليوم يذكرون قصة الطبيب الأسباني الشهير سرفيتيوس , فقد كان سرفيتوس طبيباً ماهراً , وله شهرة واسعة في علم التشريح وله اكتشافات مهمة مذكورة في كتب الطب , جاء إلى سويسرا , وهناك تأثر بالبروتستانتية , ولكنه خطا في الإصلاح خطوات جذرية وجريئة , فنادى ببطلان عقيدة التثليث , واخذ يعارض وينكر إلوهية المسيح عليه السلام , وأصبح يكرر للناس أن الثالوث هو " الوحش الشيطاني ذي الرؤوس الثلاثة ", وأنكر عليهم قضية تعميد الأطفال.
وقف كالفن في وجه هذا الموحد , واتهم سرفيتيوس بالتوحيد ونفي التثليث , وهذه التهمة تعني الهرقطة والتجديف , وهي الألفاظ التي تعني الزندقة والإلحاد , وأقيمت المحكمة بطلب من كالفن , وقد بذل كالفن كل ما يستطيع من قوة وكتب الرسائل للأقطار يحذر من بدعة سرفيتيوس , ووصفه بكلمات كثيرة ومنها: "مسح الكلب القذر أنفه" و "السافل الغادر" يلوث كل صفحة و "تخريفات منافية للتقوى", وكان يبذل جهده لإدانة هذا الرجل الذي ينادي بالتوحيد , وثبتت عليه تهمتان هما التوحيد وإنكار المعمودية.
وسيق للسجن وبدأ تعذيبه , وأخيراً ونفذ الحكم في صباح اليوم التالي يوم 27 أكتوبر سنة 1553, كان الحكم أن يحرق بالنار حياً!! , على تل تشامبل الذي يقع مباشرة جنوبي مدينة جنيف , كان الطبيب الماهر يرجوهم أن يقتلوه بالسيف , ولكن الوحوش لا تريد إلا أن تتلذذ برائحة جسده المشوي.
وفي الطريق ألح بعض الوجهاء على سرفيتوس أن يتراجع عن قوله بالاعتراف بجريمة الهرطقة، فأجابهم: "أنا لست مذنباً ولم أكن أستحق الموت" , وأوثق إلى سارية بسلاسل حديدية وربط إلى جانبه كتابه الأخير , وعندما بلغت ألسنة اللهب وجهه صرخ من الألم, ومات بعد حرقه بنصف ساعة.
¥