وفي أثناء الحرب العالمية الثانية سافر إلى المغرب بتكليف من سماحة الحاج محمد أمين الحسيني في مهمة سياسية، حيث زوّده السفير المغربي عبدالخالق الطريسي بجواز سفر على أنه من أهالي "تطوان" التي تقع تحت الحماية الإسبانية حيث أقام خمس سنوات.
ويروي الأستاذ محمد المجذوب في كتابه القيم "علماء ومفكرون عرفتهم" على لسان الدكتور الهلالي أنه تلقى في فترة إقامته بتطوان خطاباً من الإمام الشهيد حسن البنا ـ المرشد العام للإخوان المسلمين ـ يقول فيه:
(لنا مكاتبون ومراسلون من جميع أنحاء العالم الإسلامي إلا المغرب، فأرجو منك أن تبحث لنا عن مراسل، وتخبرنا بقدر المكافأة التي يتطلبها عن كل مقال يرسله إلى صحيفة الإخوان المسلمين، وإن قدرتَ أنت أن تقوم بهذا الأمر فهو أحبُّ إلينا ... ).
يقول د. الهلالي: فقبلتُ الطلب، وبدأتُ أراسل صحيفة الإخوان المسلمين سراً بواسطة البريد الإنجليزي في تطوان، ولكن الإسبانيين كانوا قد اتفقوا مع أحد الموظفين المغاربة في البريد الإنجليزي أنه متى رأى رسالة أو مقالاً لا يذكرهم بخير، ينسخ لهم نسخة منه، ويعطونه مكافأة عظيمة على كل رسالة أو مقال، فأطلعهم هذا الموظف على جميع المقالات التي أرسلتها إلى صحيفة الإخوان المسلمين، فقبضوا عليَّ وزجوني في السجن، ولم يوجهوا إليَّ أي اتهام، وبقيت ثلاثة أيام، فاحتج أهل المدينة وأذاعت محطة لندن باللهجة المغربية هذه الحادثة والاحتجاج فأطلقوا سراحي.
وفي 1947م سافر الشيخ الهلالي إلى العراق، حيث قام بالتدريس في كلية الملكة عالية ببغداد وبقي إلى 1958م حيث قام الانقلاب العسكري في العراق، فغادرها عام 1959م إلى المغرب حيث عمل أستاذاً في كلية الآداب بجامعة محمد الخامس، وفي 1968م تلقى دعوة من سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة للعمل أستاذاً بالجامعة منتدباً من المغرب وبقي يعمل إلى 1974م حيث ترك الجامعة وتفرغ للدعوة بالمغرب.
وكانت بداية معرفتي بأستاذنا محمد تقي الدين الهلالي من خلال ما كنت أسمعه عنه من العم محمد السليمان العقيل الذي كان من أعز أصدقائه، ثم قرأت له في مجلة "الإخوان المسلمون" عام 1946م قصيدة عصماء يندد فيها بالاستعمار الفرنسي، ولا يحضرني منها الآن سوى مطلعها
أعادي فرنسا ما حييتُ وإن أمت فأوصي أحبائي يعادونها بعدي
فازداد حبي له، وتشوَّقتُ للاتصال به فراسلته في "تطوان" على عنوان المجلة "لسان الدين" التي كان يصدرها بالتعاون مع الشيخ عبدالله كنون كبير علماء المغرب، وكانت أعدادها تصل إلى مكتب العم محمد العقيل، وقد سُمِّيت المجلة بهذا الاسم تيمناً باسم لسان الدين بن الخطيب الأندلسي، ومن ذلك الوقت توثقت صلتي بالشيخ الهلالي، فلما قدم إلى العراق واستقر بها، زرته في بيته ببغداد أكثر من مرة، حيث استفدت من علمه، وقد حدثني عن صلته بالإخوان المسلمين، وأثنى عليهم خيراً، كما حدثني عن الإمام الشهيد حسن البنا وأبدى إعجابه به وبطريقته في الدعوة وعلّق عليه الآمال الكبار وفي سنة 1948م جاءتني رسالة منه في بغداد يوصيني بالشيخ مسعود عالم الندوي ورفيقه محمد عاصم الحداد اللذين يزوران العراق بتكليف من السيد أبي الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية بباكستان، حيث سعدنا بهما في البصرة والزبير، وقد بذلت مع إخواني عبدالله الرابح وعبدالعزيز الربيعة وعمر الدايل مانستطيع من جهد لمساعدتهما في مهمتهما، ومن خلالهما اطلعنا على مؤلفات المودودي وعرفنا الكثير عن الجماعة الإسلامية في الهند وباكستان.
يحدثنا العم محمد السليمان العقيل عن صديقه الهلالي فيقول: كانت صلتي بالهلالي قديمة منذ قدم الزبير، وكانت لنا معه لقاءات يشارك في بعضها الشيخ ناصر الأحمر والشيخ عذبي الصباح والشيخ جاسم اليعقوب، وهو عالم فاضل متمكن من علمه وأديب شاعر فحل.
ويروي لنا الهلالي عن صديقه محمد العقيل فيقول: كان أبوقاسم مبتدئاً بالعمل التجاري، فوعدني أنه إذا فتح الله عليه واتسعت تجارته فلن يتخلى عني، وكان ذلك أوائل الثلاثينيات الميلادية، ولما عدت إلى العراق سنة 1947م بعد غربة طويلة، ذكَّرته بوعده، وطلبت منه المساعدة لشراء بيت لسكناي ببغداد وكان ذلك من خلال قصيدة نظمتها وأرسلتها له فكانت استجابته سريعة ووفى بوعده جزاه الله خيراً.
¥