وألجم ألسنتهم، وكمم أفواههم، وقلم اظفار أقلامهم,
لكن سبب عجبي ان مختلق الإفك، ومشيع الكذب من المنتسبين الى منهج أهل السنة والجماعة الذي أحياه الشيخ الهلالي، وذاد عنه قرابة ثمانين عاما في مشارق الارض ومغاربها، ويبلغ العجب منتهاه، والاستغراب مداه، ان الذي تولى كبر هذه الفرية، وباء بإثم نشرها، ممن طوق العلامة الهلالي أعناقهم بمعروفه، وغمرهم بإحسانه، فهو الذي ارشده إلى طريق العلم، ويسر له سبل المعرفة، فكان كما قيل:) أحشك وتروثني (,
أعلمه الرماية كل يوم
فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي
فلما قال قافية هجاني
مع ان النفوس السوية، والفطر السليمة تأبى أن تقابل المعروف إلا بالمكافأة والشكران، وأن تجزي الإحسان إلا بالإحسان، قال تعالى:) هل جزاء الإحسان إلا الإحسان (، وروى الترمذي وصححه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من لا يشكر الناس لا يشكر الله وفي لفظ لأحمد وأبي داود وابن حبان: لا يشكر الله من لا يشكر الناس ,
وقد استند هذا الرجل في دعواه وافتئاته على أمرين:
أولهما: أن الشيخ العلامة الهلالي درس في أوروبا، ونال شهادته منها,
الثاني: أنه رحمه الله كان يذكر في دروسه، وكتاباته ما رآه من تمسك بعض الأوروبيين بجملة من محمود الصفات، وتحليهم ببعض الأخلاق الحسنة كترك الفضول، وحسن الإنصات للمناقش، والمحافظة على المواعيد، والحرص على عدم إضاعة الأوقات، والجد في العلوم الدنيوية، مما أوصلهم إلى ما هم فيه من التقدم المادي الدنيوي، حتى أصبح المسلمون يحتاجون إلى صناعاتهم من الإبرة الى الطائرة,
ودونك أخي الكريم حقيقة الأمر وجلية المسألة، لتعلم ما في كلام الرجل من التدليس والتلبيس,
أولاً: أن الشيخ رحمه الله بين بنفسه سبب سفره إلى أوروبا، وعلة سعيه في الحصول على الشهادة، فقال: وإنما سافرت إلى أوروبا بعد سن الأربعين، للحصول على شهادة جامعية تمكنني من الدخول الى الجامعات في البلاد الآسيوية والافريقية، لنشر الدعوة بين المعلمين والمتعلمين، لأن الآسيويين والأفريقيين قد غلوا في تعظيم الشهادات العالية، وأصحابها، حتى صارت عندهم كل شيء، فمن حصل عليها صار حديثه مقبولا، وصار في نظرهم عالما، ولو كان أجهل من حمار أهله، صيانة العرض ص 33,
وهذا الكلام من وضوح المغزى ونبل المقصد بحيث لا يحتاج الى تعليق وقد صرح في موضع آخر بأن الاقامة في اوروبا انما تكون للضرورة فقد كاتبه الاستاذ عبداللطيف ابو السمح فكان مما قاله:) واسأله تعالى ان يجمعنا بكم في اوروبا كما جمعنا في افريقيا ثم آسيا (,
فأجابه العلامة الهلالي من قلب اوروبا قائلا:
) وما رجوته من الاجتماع هو بغيتي وسؤالي إلا انني اخالفك في موضعه فأتمنى ان يكون في مصر في خير وسلامة فهي احب الي من اوروبا ولا أظن ان العاقل يستحب الاقامة في اوروبا الا للضرورة وبقدرها,, الى ان قال:
ولا أنكر أن هنا في أوروبة علوما نافعة لأهل الشرق، ولا أجحد أن بعض من يرحل الى اوروبة من الطلبة فيهم شهامة ونجابة,,
والذي انكره هو أنه ليس كل الطلبة الآتين هذه الديار لطلب العلم هم في الحقيقة طلاب علم، وأنهم يرجعون الى الشرق بما ينفع أوطانهم، أو على الأقل لا يضرها,,
ومنذ جئت الى اوروبة، وخبرت أحوال طلبة العلم أسفت أسفا شديدا، إذ لم يكن لي حول ولا قوة لإصلاح الحال, فإن قلت: وماذا تصنع لو كان لك حول وقوة؟ فالجواب: لو كان لي مثلا مال فاضل وهو أحد أنواع الحول لما اقتصرت في النصيحة على تصديع القراء بمثل هذه المقالات الفارغة، بل أجبت بالعمل,
وذلك أني أرجع الى الشرق، وألقي بصري على طلبة العلم, ومتى رأيت منهم من جزمت لي فراستي وأظنها قلما تخطئ في هذا الباب دعوته واختبرته، وعرفت العلم الذي هو متأهل له, فقلت له: تهيأ للسفر وجهزته وبعثته, فإذا أتم دراسته ورجع يعمل عملا حرا أو حكوميا مضاداً أشد المضادة لما يعمل المزورون الملبسون, فإذا رأى الشعب والحكومة الفرق بينه وبين اولئك المحتالين، عرفوا الحقيقة، واحتاطوا في إرسال الطلبة، وتدرجوا في إصلاح هذا الباب الى ان يصلوا الى الصواب، وهو إرسال الطلبة حسبما تقتضيه حاجة البلاد، لا حسب شهوة المرسلين او المرسلين انظر مجلة الفتح العدد 811 ص 13,
¥