[تسلية المصاب لما في البلوى من النفع والثواب للشيخ صلاح البدير]
ـ[أبو عبد الله مصطفى]ــــــــ[12 - 12 - 09, 10:47 ص]ـ
خطبة الجمعة بالمسجد النبوي - 24 ذو الحجة 1430 هـ
الخطبة الأولى:
الحمد لله .. الحمد لله الواحد القهار .. أحمده وهو العزيز الغفار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،كتب الفناء على أهل هذه الدار، وجعل الجنة عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله .. صلى الله عليه وعلى آله أزواجه وأصحابه الأطهار، وسلم تسليماً متصلاً متعاقب الليل والنهار.
أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (102) سورة آل عمران.
أيها المسلمون: الدنيا دار غربة، ومنزل رحلة، وموطن بلاء وتغير وتقلب، مصائب مضنية وأوصاب مبلية، وخطوب متلفة وكوارث مفجعة، وحوادث موجعة ونكبات مروعة. الصبر أجمل والدنيا مفجعة .. من ذا الذي لم يجرع مرةً حزنا؟ كل باكٍ فسيبكى، كل ناعٍ فسينعى، كل مذخور سيفنى، كل مذكورٍ سينسى، ليس غير الله يبقى، ليس غير الله يبقى، ليس غير الله يبقى، من علا فالله أعلى، من علا فالله أعلى.
وما الدهر إلا هكذا فاصطبر له رزيةُ مالٍ أو فراقُ حبيبِ
دنيا دنية .. في فنائها عزاءٌ لكل محزون، وفي زوالها سلوى لكل مكلوم، وليس للمؤمن - إذا أصابته مصيبات الدنيا وفواجعها - إلا أن يتجمل بالصبر، ويتدثر بالرضا؛ فالحرقة لا تداوى إلا باللجأ إلى الله – تعالى -.
ولوعة الكرب لا تفرج إلا باللهج بحمده، وألم الفجيعة لا يزول إلا باحتسابها، وما هي إلا مصارع لابد من ورودها، ومقاديرُ محكومة لا مَحيصَ عن شهودها، وأعظم من المصيبة التسخُّط منها، وأضرُّ من الرزية فقد المثوبة عليها، والمصاب من فقد الاحتساب وفقد الثواب:
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} سورة البقرة 155 – 157.
وعن أم سلمة – رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: " ما من عبدٍ تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيراً منها إلا أجره الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منها " أخرجه مسلم.
وعن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – قال: قلت: يا رسول الله: أي الناس أشد بلاءً؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبْتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة " أخرجه الترمذي.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: " ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة " أخرجه الترمذي.
وعن أنس – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:" إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط " أخرجه الترمذي.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: " من يُردِ الله به خيراً يُصبْ منه " أخرجه البخاري.
وعن محمد بن خالد عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: " إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في ماله أو جسده أو ولده، ثم صبره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله – تعالى – " أخرجه أحمد وأبو داود.
إذا مس بالسراء عم سرورها ** وإن مس بالضراء أعقبها الأجرُ
وما منها إلا له فيها منةٌ ** تضيق بها الأوهام والبر والبحرُ
¥