وقيل: من قَبل القرآن، وهم اليهود والنصارى، وهي بشرى للمتقين منهم أنهم يسلمون، وهو الذي حصل كما في قوله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَق} [المائدة: 83].
والآيات الأوَل - في الإسراء - مكية، ومما نزل في مكة:
قولُه تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم / 58].
وآية " النجم ":
{هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى. أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ. لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ. أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ. وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ. وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ. فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم / 56 – 62].
وهذا لتربية الصحابة على رقة القلب وصدق الإيمان، وأن الضحك الحق لا يكون إلا في الآخرة.
{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ. وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ. وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ. وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ. وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ. فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ. عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ. هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ. [المطففين / 29 – 36] وهي سورة مكية.
وهذا هو حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع القرآن.
عن عبد الله بن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ عليَّ القرآن , قال: قلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أشتهي أن أسمعه من غيري , قال: فقرأت النساء حتى إذا بلغت {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} رفعت رأسي أو غمزني رجل إلى جنبي فرأيت دموعه تسيل.
رواه البخاري (4306) ومسلم (800).
وهذا هو حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع القرآن.
عن أبي صالح قال: لما قدم أهل اليمن في زمان أبي بكر فسمعوا القرآن جعلوا يبكون فقال أبو بكر: هكذا كنا ثم قست القلوب!!
وحال أبي بكر تصفه عائشة فتقول:
لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه أتاه بلال يوذنه بالصلاة فقال: مروا أبا بكر فليصل قلت: إن أبا بكر رجل أسيف - وفي رواية: لا يملك دمعه، وفي روايةٍ: كان أبو بكر رجلا بكّاءً؛ لا يملكُ عينيه إذا قرأ القرآن – إن يقم مقامك يبكي فلا يقدر على القراءة …. البخاري (633)، ومسلم (418).
وعن عبد الله بن شداد أنه قال: سمعتُ نشيج عمر وأنا في آخر الصف وهو يقرأ سورة يوسف {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} [يوسف / 86].
رواه البخاري معلقاً، انظر: " فتح الباري " لابن حجر (2/ 206).
والنشيج: رفع الصوت بالبكاء.
وعن سالم بن عبد الله أن ابن عمر قرأ {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} الآية – [البقرة / 284]- ; فدمعت عيناه فبلغ صنيعه ابن عباس فقال: يرحم الله أبا عبد الرحمن , لقد صنع كما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت , فنسختها الآية التي بعدها {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} – [البقرة / 286]-.
وعن تميم الداري رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات} [الجاثية / 21] فجعل يرددها إلى الصباح ويبكي.
وقرأ ابن عمر رضي الله عنهما: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [سورة المطففين / 1] فلما بلغ: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة المطففين / 6] بكى حتى خرَّ وامتنع عن قراءة ما بعده.
وقال مسروق رجمه الله: قرأتُ على عائشة هذه الآيات: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور / 27] فبكت، وقالت: " ربِّ مُنَّ وقني عذاب السموم ".
¥