تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولنراجع "السيرة العملية" التي عاشها الصحابة في "العهد النبوي" حتى ننتزع بقية هذا الإشكال من أساسه، هل كان النساء يخالطن الصحابة في المجالس والملتقيات؟! وهل كن يتزاحمن على النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال كل يطلب قربه والتواصل معه؟! وهل كانت الواحدة منهن تجلس بجانب الرجل لا تجد في ذلك غضاضةً ولا حرجاً؟! أم أنه كان "للنساء مجالس" و"للرجال مجالس"، وأن مثل هذا "الاختلاط المقنن" لم يكن له وجود ولا حضور عند الصدر الأول. ووالله لو كان الأمر أمر "اختلاطٍ ظاهرٍ" لكان في "شهرته" و"انتشاره" ما يغني عن الاستدلال له بأن امرأة جاءت تستفي النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على امرأةٍ مرةً ونحو ذلك. فإن مثل هذا لو كان لكان من "الكثرة" و"الشهرة" ما يغني صاحبه عناء تتبع أفراد أدلته وجزئياته.

ثم تدبر الحديث التالي، والذي يبين طبيعة مجالس النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان يقع في زمانه من الفصل بين الجنسين:

عن أبي سعيد الخدري: قال النساء للنبي صلى الله عليه وسلم غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوماً من نفسك فوعدهن يوماً لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن فكان فيما قال لهن: "ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجاباً من النار". فقالت امرأة:واثنين؟ فقال: "واثنين". وقد بوب الإمام البخاري لهذا الحديث بقوله: "باب هل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم".

فلو كان الاختلاط جائزاً، وكان هو الأصل لكان حال النساء في الأخذ عن النبي صلى الله عليه وسلم وسؤاله كحال الرجال، فلم يكن هناك غالبٌ ومغلوبٌ، ولقيل لهن: تعالين وساوين الرجال في مكانكن من النبي صلى الله عليه وسلم، أو اجلسن بين ظهراني الرجال، أو تقدمن عليهم. ولا شك أن هذا يتضمن توفيراً للوقت وللجهد، قائد الأمة صلى الله عليه وسلم بأمس الحاجة إليه.

والمقصود أن القدح في مثل هذه "المحكمات الشرعية" بمثل هذه الاحتمالات غير صحيح ولا جائز، ومثل هذا "المتلاعب" بهذه المحكمات لن يعجزه أن يستحل جمهور المسكرات المعاصرة (باعتبارها خمراً من غير العنب)، وجمهور الربويات المعاصرة (باعتبارها أوراق نقدية لا ذهب وفضة)، وسائر العلاقات غير المشروعة بين الجنسين (باعتبارها نكاح متعة يشترط فيه فقط تراضي الطرفين، ولا يشترط ولي ولا شهود ولا مهر) إلخ إلخ من محرمات الإسلام، وسيجد من "المشتبهات" نظير ما وجد في مسألتنا هذه، بل أكثر من ذلك. فمن أهدر قاعدة "المحكم والمتشابه" فلن يجد مشكلة في تخريج ما شاء من آحاد الأحكام الشرعية وفق هواه، وهذه "إشكالية جوهرية" في التدين تتسلسل بالشخص إلى "الانحلال" عن ربقة التكليف، التي هي أساس التشريع، فإن مبنى الشريعة إنما جاء لإخراج العبد عن داعية هواه ليكون عبداً لله.

ومن المثير للدهشة فعلاً أن أصحاب هذا المسلك في التعاطي مع مسألة "الاختلاط" واقعون في فخ المراوحة بين "النصوصية" و"المقاصدية" بحسب ما تمليه الرغبات. فإذا كانت مقاصد الشريعة تخدم أهواءهم في قضية ما تحولوا "شاطبيين" و"طوفيين" حتى النخاع. وإذا كان الوقوف على "ظاهر النص" في قضية أخرى هو الذي يخدم أهواءهم؛ تحولوا بقدرة قادر إلى "حزميين" بل أكثر من ابن حزم ذاته!

واعتبر بحالهم في مسألتنا، فحين تسرد عليهم تلك النصوص الشرعية الجزئية الدالة على "التحفظ" و"الاحتياط" في العلاقة بين الجنسين وما يحدثه ذلك من معرفة "بمقصد الشريعة" في هذا الباب، فإن ذلك يتبخر في طرفة عينٍ تحت ضغط السؤال" أين النص على كلمة "الاختلاط" في النص المحرم، وإذا قُدّر وباحثك ذات الشخص في مسائل أخر فاستدللت عليه "بنص الشريعة" حدثك عن ضرورة "النظرة المقاصدية" وأن "كليات الشريعة" مهيمنة على فروعها وجزئياتها، فساعة "ظاهري" وساعة "مقاصدي" بحسب الأهواء، أسأل الله أن يعيذنا من الفتن والأهواء، والله يرعاكم

...

تنبيه مهم:

هذا المقال مستفادٌ "بحرفه" و"معناه" من مجموع مقالاتٍ كتبت في هذا الشأن، مع فوائد وزوائد، أهمها:

- الاختلاط .. (هم) و (وهم) للشيخ فهد العجلان.

- درس عملي في المحكم والمتشابه "الاختلاط أنموذجاً" للشيخ منصور العيدي.

- تعليق حول كتاب أبي شقة "تحرير المرأة في عصر الرسالة" للشيخ إبراهيم السكران.

ـ[أبو معاذ الحسن]ــــــــ[15 - 12 - 09, 01:48 م]ـ

بارك الله فيك , وجعل ما كتبته ذخرا لك يوم الحساب.

وليتك أن هناك من ينبري من أهل العلم

للرد المفصل على شبهات المخالفين , وإن شئت فقل المضللين.

ـ[أبوزياد العبدلي]ــــــــ[15 - 12 - 09, 02:42 م]ـ

بيض الله وجهك أخي عبدالله على ماكتبت

ووالله إن الحق واضح وأبلج حتى لمن ينادون بالاختلاط يعرفون أنه محرم وأنه يفضي إلى فساد عريض

فالذي ينادي بالاختلاط أحد اثنين

إما صاحب هوى يعلم بحرمة ذلك لكنه يدعو إليه لما في قلبه من مرض النفاق

أو جاهل ولا يدري أنه جاهل لكنه لحبه للظهور كتب ونادى فيه لأنه أمر مخالف لما عليه المجتمع الإسلامي , ويعلم أن المخالفة أسرع طريق للشهرة , فيسعى إلى حضوة إعلامية

فلا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير