وقال الحافظ أبو عمرو بن الصَّلاح في علوم الحديث: " ولا التفات إلى ابن محمد بن حزم الظاهري الحافظ في رده ما أخرجه البخاري من حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري 000 من جهة أن البخاري أورده قائلاً فيه: قال هشام بن عمار، وساقه بإسناده، فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام، وجعله جوابا هم الاحتجاج به على تحريم المعازف، وأخطأ في ذلك من وجوه، والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح 0
(1) المغني عن حمل الأسفار: 2/ 271 0
وقال الزركشيُّ في التوضيح، نقله عن الحافظ: " معظم الرواة يذكرون هذا الحديث في البخاريُ معلِّقاً، وقد أسنده أبو ذَرٍّ عن شيوخه فقال: " قال البخاري: حدثنا الحسن بن إدريس: حدثنا هشام بن عمار (1) 0 وقال الحافظ: فعلى هذا يكون الحديث صحيحاً ـ على شرط البخاري ـ ورده الحافظ في الفتح (2) 0 فقال: " وهذا الذي قاله خطأ نشأ عن عدم تأمل، وذلك أن القائل: حدثنا الحسين بن إدريس هو العباس بن الفضل شيخ أبي ذر لا البخاري، ثم هو الحسين بضم أوله وزيادة التحتانية الساكنة، وهو الحروي، لقبه " خُرَّم " بضم المعجمة وتشديد الراء، وهو من المكثرين "0
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الإستقامة (3):
" والآلات الملهية قد صح فيها مارواه البخاري في صحيحه " تعليقاً مجزوما به، داخلاً في شرطه " 0
وقد رد كلام ابن حزم الإمام ابن القيم في أكثر من موضع من كتبه: قال في تهذيب سنن أبي داود (4): " وقد طعن ابن حزم وغيره في هذا الحديث، وقالوا: لايصح، لأنه منقظع، لم يذكر البخاري مَنْ حدَّثه به، وإنَّما قال: " وقال هشام بن عمَّار " 0 وقال في لإغاثة اللهفان: " هذا الحديث صحيح، أخرجه البخاري في صحيحه محتجاً به، وعلقه تعليقاً مجزوماً به 0 ثم لو سلمنا جدلاً كلام ابن حزم بالانقطاع، فإنه قد جاء موصولاً من طرق جماعة من الثقات الحفاظ سمعوه من هشام بن عمَّار 0
(1) ص 61 ـ 62 0
(2) 1/ 52 0
(3) 1/ 294 0
(4) 5/ 270 0
قال الطبراني في مسند الشاميين (1): " حدثنا محمد بن يزيد بن (الأصل: عن) عبدالصمد الدمشقي: ثنا هشام بن عمَّار به 0
وقال ابن حبَّان في صحيحه (2): أخبرنا الحُسين بن عبدالله القطَّان قال: حدثنا هشام بن عمَّار به إلى قوله: " المعازف " 0
وواصله ـ أبو نعيم في المستخرج على الصحيح 0 والبيهقي: 10/ 221 وابن عساكر في التاريخ: 19/ 79 من طرق كثيرة عن هشام بن عمار، وأخرجه الحسن بن سفيان في " مسنده " (3) 0 وأبو بكر الإسماعيلي في المستخرج وأبو ذر الهروي راوي " الصحيح " وغيرهم كثير 0
خلاصة القول: أن الحديث ليس منقطعاً بين البخاري وشيخه هشام كما زعم ابن حزم (4)، فإن هشام بن عمَّار شيخ البخاري، لقيه وسمع منه، وخرَّج عنه في " الصحيح " حديثين غير هذا، ثم إن قول الراوي " قال فلان " فهو بمنزلة قوله " عن فلان " إذ أن قائلها (البخاري رحمه الله) غير موصوف بالتدليس، فهى محمولة على الإتصال على الصحيح الذي عليه جماهير أهل العلم إضافة إلى أن اللقاء بين البخاري وهشام ثابتة فتحقق شرط البخاري، وهو ثبوت اللقاء 0 فكان صحيح على شرط البخاري 0
الإعتراض الثاني على ابن حزم: فقد زعم ابن حزم أن الحديث فيه اضطراب في السند 0 قال رحمه الله في " الرسالة ": " ثمَّ هو إلى أبي عامر أو ابن مالك، ولايدري أبو عامر هذا "0
(1) 1/ 334 / 588 0
(2) 8/ 265 / 6719 ـ (الإحسان) 0
(3) هدى الساري: ص 59 0
(4) ذهب إلى هذا الرأى كذلك من المعاصرين الشيخ محمد الغزالي رحمه الله تعالى وعف عنه 0
قول ابن حزم " ولا يدري أبو عامر هذا " دليل على أن " أبا عامر " مجهول عنده، ومن مذهبه أنه لايقبل حديث من ذُكر بالصحبة حتى يسمى ويعرف فضله 0 وأبو عامر عنده ليس كذلك، فالعلة عنده في هذا الحديث هو لكونه متردداً فيه بين معروف ومجهول وليس بالتردد في اسم الصحابي لذاته 0
وقد أجاب بعض العلماء على هذه الشبهة بترجيح أنه " عن أبي مالك " (1) 0
ذهب البخاري في " التاريخ " (2) إلى ترجيح أنه عن أبي مالك قال رحمه الله: " وإنما يعرف هذا عن أبي مالك الأشعري 00 وهي رواية مالك بن أبي مريم عن ابن غَمْ عن أبي مالك بغير شك 0
وقال ابن حجر في " تهذيب التهذيب " (3) " والحديث لأبي مالك " 0
¥