تنبيه على عبارة: " لا تقل: يا رب عندي هَمّ كبير ".
ـ[المسيطير]ــــــــ[16 - 12 - 09, 11:59 م]ـ
تنبيه على عبارة: " لا تقل: يا رب عندي هَمّ كبير "
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عبارة قرأتها كثيرا في أكثر من منتدى، وفي أكثر من توقيع، ومرّت بي العِبَارة كثيرا! إلاّ أنها استوقفتني مَرّة مِن الْمَرّات، فوقفتُ مُتأمِّلاً في قولهم: لا تَقُل: يا رب عندي هَمّ كبير، ولكن قُل: يا همّ عندي ربّ كبير! فتذّكَرتُ شَكوى نبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام، حينما بَثّ حُزنه وشكواه إلى الله، فقال: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ).
قال ابن كثير في تفسير الآية: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي) أي: هَمِّي وما أنا فيه (إِلَى اللَّهِ) وَحْدَه. اهـ.
وقال ابن عادل الحنبلي: والبَثُّ: أشَدُّ الحزن، كأنَّه لِقُوّته لا يُطاق حَمْله. اهـ.
وقال القاسمي: أي: لا أشكو إلى أحدٍ منكم ومِن غيركم، إنما أشكو إلى ربي داعيًا له، وملتجئا إليه، فَخَلّوني وشِكايتي. (وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ) أي: لمن شكا إليه من إزالة الشكوى، ومَزِيد الرحمة: (مَا لاَ تَعْلَمُونَ) ما يُوجب حُسن الظن به، وهو مع ظنّ عَبْدِه بِه. اهـ.
ووقفتُ مع شكوى الْمُجادِلَة .. (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ)
وفي بعض الآثار: " قالت: أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي ووحشتي وفِراق زوجي ".
فالْهَمّ العظيم لا يُشكَى إلاّ إلى الله؛ لأنه لا يَكشفه إلاّ الله.
فَشَكوى الْهَمّ إلى الله مشروعة، بل هي مطلوبة شرعا ..
واشتُهِر عن عليّ رضي الله عنه قوله: أشكو إلى الله عُجَري وبُجَري.
قال الأصمعي: يعني همومي وأحزاني.
قال أبو إسحاق الشيرازي:
لبِستُ ثوب الرَّجا والناس قد رقدوا ... وَقمِتُّ أشكوا إلى مولاي ما أجدُ
وقُلتُ يا أمَلي في كلِّ نائبة ... ومَن عليه لكشف الضُّرِّ أعتمد
أشكو إليك أموراً أنت تعلمها ... ما لي على حملها صبرٌ ولا جلدُ
وقد مدَدْتُ يدِي بالذُّلِّ مبتهلاً ... أليك يا خير من مُدَّتْ أليه يدُ
فلا ترُدَّنها يا ربِّ خائبةً ... فبَحْرُ جودِكَ يروي كل منْ يَرِد
ولا يعني هذا أن لا يُشكَى إلى غير الله؛ لأن في الشكوى تخفيفا وتسلية ..
" وهذا ما لم يكن التَّشَكِّي على سَبيل التَّسَخُّط، والصبر والتجلّد في النوائب أحسن، والتعفف عن المسألة أفضل، وأحسن الكلام في الشكوى سؤال المولى زوال البلوى " كما قال القرطبي.
وربما شَكَا الصحابة الكرام رضي الله عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ما يَجِدون ..
قَال خَبَّاب بْن الأرَتّ رضي الله عنه: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ .. رواه البخاري.
وقال رضي الله عنه: شَكونا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الصلاة في الرمضاء فَلَم يُشْكِنا. رواه مسلم.
وفي المسْنَد: قال الزبير بن عدي: شَكونا إلى أنس بن مالك ما نلقى من الحجاج! فقال: اصبروا فإنه لا يأتي عليكم عام - أو يوم - إلاّ الذي بعده شرّ منه، حتى تلقوا ربكم عز وجل. سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم.
قال أبو طلحة رضي الله عنه: شَكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع .. رواه الترمذي.
وقال الحارث بن يزيد البكري: خرجتُ أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. رواه الإمام أحمد.
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم يشكو جارَه ... رواه أبو داود.
وعند البخاري من حديث عَدِيّ بْن حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ رَجُلانِ؛ أَحَدُهُمَا يَشْكُو الْعَيْلَة، وَالآخَرُ يَشْكُو قَطْعَ السَّبِيلِ ...
والعَيْلة: هي الفَقْر.
قال القرطبي في تفسيره: فأما الشكوى على غير مُشْكٍ فهو السَّفَه، إلاَّ أن يكون على وَجه البثّ والتَّسَلِّي. اهـ.
وعلى كُلّ فإن قولهم: " لا تَقُل: يا رب عندي هَمّ كبير، ولكن قُل: يا همّ عندي ربّ كبير "، وإن كان ما قَصَدُوه وَاضِحًا، إلاّ أنّ قولهم: " لا تَقُل: يا رب عندي هَمّ كبير "، مُتضمّن لِعدم شكوى الْهَمّ إلى الله .. وهذا خِلاف المشروع من شكوى الْهَمّ إلى الله الذي بِيدِه مفاتيح الفَرَج ..
وأنشد بعضهم:
إذا الحادثات بَلَغْنَ الْمَدَى ... وكادت تَذوب لَهُنّ الْمَهْج
وحَلّ البلاء وقَلّ العَزاء ... فعند التناهي يكون الفَرَج
--
http://www.saaid.net/Doat/assuhaim/index.htm
ـ[عبدالرحيم الجيزاني]ــــــــ[17 - 12 - 09, 12:05 ص]ـ
جزاك الله خيرا
¥