تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا مجال لإدخال الأعياد والاحتفالات بمثل هذه المناسبات في باب شكر الله تعالى أو تعظيم نبيِّه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم؛ لأنَّ شكر الله ليس بالاشتراك معه في التشريع والحكم، وقد قال تعالى: ?وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا? [الكهف: 26]. وإنما شكر الله بطاعته وعبادته على وَفق شرعه وتعظيم النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم في اتباع سُنَّته، وطاعته فيما أمر به وزجر عنه، والتسليم لأحكامه والتأسِّي به في مظهره ومخبره، وعدم الابتداع في الدِّين، قال تعالى: ?لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا? [الأحزاب: 21]، وقال سبحانه: ?قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ? [آل عمران: 31]، قال ابن كثير -رحمه الله-: «هذه الآية الكريمة حاكمةٌ على كُلِّ من ادعى محبةَ الله وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كاذبٌ في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمديَّ والدِّين النبوي في جميع أقواله وأفعاله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم أنه قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» ... وقال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قومٌ أنهم يحبُّون الله فابتلاهم الله بهذه الآية: ?قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ?» (18 - «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير: (1/ 358).).

ثمَّ إنه -من زاوية ثالثة- لا يخفى أنَّ الأول من شهر الله المحرم هو بداية التقويم السنوي الإسلامي من التاريخ الهجري، كذا أرَّخه الصحابة الكرام رضي الله عنهم بالإجماع في الدولة العمرية (19 - «البداية والنهاية» لابن كثير: (3/ 177).) مخالفين في ذلك بداية التقويم السنوي للنصارى حيث أرَّخوه من يوم ولادة المسيح عيسى عليه السلام، ومع ذلك لم تكن هجرة النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم في شهر المحرَّم وإنما بدأت هجرته من مكة إلى المدينة في أوائل شهر ربيع الأول من السنة الثالثة عشر لبعثته صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ووصل إلى قُباء لاثنتي عشر ليلة خلت من ربيع الأول يوم الاثنين كما صرَّح به أهل الحديث والسيرة (20 - انظر: «البداية والنهاية» لابن كثير: (3/ 177، 190)، «فصول في سيرة الرسول» لابن كثير: (80)، «مختصر سيرة الرسول» لمحمد بن عبد الوهاب: (2/ 166).).

ومنه يتبيَّن أنَّ شهر المحرَّم لم يكن موعدَ هجرته صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وإنما كان ابتداء العزم على الهجرة في ذلك الشهر على أقوى الأقوال كما صرَّح بذلك الحافظ ابن حجر -رحمه الله- بقوله: «وإنما أخروه من ربيع الأول؛ لأنَّ ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرَّم، إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة وهي مقدمة الهجرة فكان أول هلال استهلّ بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال المحرَّم فناسب أن يجعل مبتدأ، وهذا أقوى ما وقفت عليه من مناسبة الابتداء بالمحرم» (21 - «فتح الباري» لابن حجر: (7/ 268).).

ومن زاوية رابعة فإنَّ من الحقِّ والعدل أن يقتدي المسلمون بالرسول صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ويَتَّعِظُوا بسيرته، وينتفعوا بما جرى في زمانه من وقائع عظيمة وحوادث شريفة، ويستخرجوا منها الدروس والعبر على مدار السنة، تتجسَّد معانيها الروحية في قوالب صادقة تقوِّم سيرة المسلم وسلوكه وخلقه باستنارته من مشكاة النبوة، لا أن تحصر سيرته صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم والانتفاع بأحداثها في الاحتفالات والخطب في أيام محدَّدة الوقت في السنة تمرُّ مجرَّد ذكريات، وتتكرَّر كلّ عامٍ على وجه الاعتياد، وسرعان ما تدخل في طَيِّ النسيان مع مرور تلك الأيام من غير ملاحظة الأثر الإيماني والخُلُقي على سلوك المسلمين وسيرتهم، بل بالعكس ترى الكثير يتدافعون للانتقال من بلاد الإسلام إلى بلاد الكفر طلبًا لمساكنة أهل الكفر والاسترزاق على وَفقهم والعيش في ديارهم بحرية بهيمية، ومشاكلتهم في عاداتهم وتقاليدهم وأعيادهم وأنماط حياتهم، فأين يا ترى الأثر الإيماني والعملي لذكرى هجرة الرسول صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم الذي هاجر من بلاد الشرك إلى بلاد الإيمان والإسلام؟!!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير