تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إنَّ اهتمام السلف الصالح والتابعين لهم بإحسان بسيرة المصطفى صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم العطرة وحوادثها العظيمة إنما كان بدراستها واستخراج الدروس والعبر منها، ويتجلَّى الانتفاع والاتعاظ بها طوال أيام السنة ولياليها، وتتجسد معانيها العالية -تكريسًا– في سلوكهم وسيرتهم اقتداءً به صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم في قيمه، والسير على منواله، والتأسِّي به في دعوته إلى توحيد المرسِل، وتوحيد متابعة الرسول، وفعل ما أمر الشرع به وترك ما نهى عنه عملاً بقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «المُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ» (22 - أخرجه البخاري كتاب «الإيمان»، باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده: (1/ 9)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.)، وفي حديث آخر: «المُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السَّيِّئَاتِ» (23 - أخرجه ابن حبان في «صحيحه»: (196)، وعبد بن حميد في «مسنده»: (338)، والعدَني في «الإيمان»: (26)، وابن منده في «الإيمان»: (318)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة»: (545)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وصحّحه الألباني في تحقيق كتاب «الإيمان» لابن تيمية (3).)، مع موافقة الشرع فيما يحبه ويرضاه، وفيما يسخطه ويكرهه ويبغضه ولا يرضاه من الأقوال والأفعال والاعتقادات والذوات كما هو معلومٌ من عقيدة الولاء والبراء، وهي من لوازم الشهادتين وشرط من شروطها. قال تعالى: ?لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً? [آل عمران: 28]، وقال تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ? [المائدة: 51]، وقال تعالى: ?لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ? [المجادلة: 22]، وغيرها من الآيات.

تلك هي الهجرة الباطنية القلبية التي تلازم المسلم في حياته ولا تنفكُّ عنه وتليها –عملاً- هجرة بدنية ظاهرة محتوية للهجرة القلبية، وهي هجرة المسلم من بلاد الشِّرك إلى بلاد الإسلام وجوبًا على غير القادر على إظهار شعائر الإسلام في بلاد الكفر ولا الولاء والبراء، ولا هو من المستضعفين الذين لا تسعهم الهجرة أو كان ممَّن تحول دون هجرته الظروف السياسية والجغرافية.

فهما هجرتان إلى الله ورسوله، لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ» (24 - أخرجه البخاري كتاب «بدء الوحي»، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: (1/ 3)، ومسلم كتاب «الإمارة»: (2/ 920)، رقم: (1907)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.)، قال ابن القيم -رحمه الله- في الهجرة: أنها «هجرتان:

- هجرة إلى الله بالطلب والمحبة والعبودية والتوكُّل والإنابة والتسليم والتفويض والخوف والرجاء والإقبال عليه وصدق اللجوء والافتقار في كلِّ نَفَس.

- هجرة إلى رسوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم في حركاته وسكناته الظاهرة والباطنة بحيث تكون موافقةً لشرعه الذي هو تفضيل محابِّ الله ومرضاته، ولا يقبل الله من أحد سواه» (25 - «طريق الهجرتين» لابن القيم: (20).).

والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على محمَّدٍ، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: 22 من ذي الحجة 1430ھ

الموافق ل: 09 ديسمبر 2009م

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير