- يظهر لنا من خلال ما سبق أنه لا يجوز للرجل أن يمكن المرأة الأجنبية من فلي رأسه، لأنه يصدق على هذا الفعل أنه مس لمرأة أجنبية، فيكون فاعله متوعدا بالوعيد الوارد في حديث معقل بن يسار رضي الله عنه، ولا يجوز للمرأة فعل ذلك به، لأنه تعاون على الإثم.
* وقد زعم كاتب المقال الصحفي أنه يجوز ذلك، واستدل على ذلك بدليلين إليك بيانها، والجواب عن هذا الزعم الباطل:
1 - حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه سمعه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه - وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت - فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأطعمته وجعلت تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: وما يضحكك يا رسول الله؟ قال: «ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر .... » إلخ.
قال: في الحديث جواز فلي المرأة للرجل الأجنبي.
قلت: وقد أجيب عنه بأجوبة:
أ- أنها كانت من محارمه.
- قال أبو عمر ابن عبد البر - رحمه الله - في التمهيد: "وأظنها أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أم سليم أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحصلت أم حرام خالة له من الرضاعة فلذلك كانت تفلي رأسه وينام عندها وكذلك كان ينام عند أم سليم وتنال منه ما يجوز لذي المحرم أن يناله من محارمه ولا يشك مسلم أن أم حرام كانت من رسول الله لمحرم فلذلك كان منها ما ذكر في هذا الحديث والله أعلم".
ثم قال - رحمه الله -: "وقد أخبرنا غير واحد من شيوخنا عن أبي محمد الباجي عبد الله بن محمد بن علي أن محمد بن فطيس أخبره عن يحيى بن إبراهيم بن مزين قال إنما استجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفلي أم حرام رأسه لأنها كانت منه ذات محرم من قبل خالاته لأن أم عبد المطلب بن هاشم كانت من بني النجار، وقال يونس بن عبد الأعلى قال لنا ابن وهب أم حرام إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فلهذا كان يقيل عندها وينام في حجرها وتفلي رأسه".
- ثم قال - رحمه الله -: " أي ذلك كان فأم حرام محرم من رسول الله صلى الله عليه و سلم والدليل على ذلك: ما حدثنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا على ابن حجر قال أخبرنا هشيم عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا لا يبيتن رجل عند امرأة إلا أن يكون ناكحا أو ذا محرم، وروى عمر بن الخطاب عن النبي عليه السلام قال: لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما وروى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: «لا يخلون رجل بامرأة إلا أن تكون منه ذات محرم» .... ".
وقد نوقش هذا الجواب بـ: أنه لا دليل على المحرمية، وما ذكره ابن عبد البر من النقل لا يصلح أن يكون دليلا، والنصوص الثابتة في تحريم الخلوة بالمرأة إلا إذا كانت محرما لا يلزم منها ثبوت المحرمية بخلوته صلى الله عليه وسلم.
- وقال الدمياطي - رحمه الله -: " ذهل كل من زعم أن أم حرام إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أو من النسب، وكل من أثبت لها خؤلة تقتضي محرمية، لأن أمهاته من النسب واللاتي أرضعنه معلومات ليس فيهن أحد من الأنصار البتة سوى أم عبد المطلب وهي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، وأم حرام هي بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر المذكور، فلا تجتمع أم حرام وسلمى إلا في عامر بن غنم جدهما الأعلى، وهذه خؤلة لا تثبت بها محرمية؛ لأنها خؤلة مجازية، وهي كقوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص هذا خالي؛ لكونه من بني زهرة، وهم أقارب أمه آمنة وليس سعد أخا لآمنة لا من النسب ولا من الرضاعة، ثم قال: وإذا تقرر هذا فقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل على حد من النساء إلا على أزواجه إلا على أم سليم فقيل له فقال أرحمها قتل أخوها معي يعني حرام بن ملحان وكان قد قتل يوم بئر معونة" من فتح الباري لابن حجر.
إذا تقرر ذلك؛ فهذا وجه ضعيف لا ينبغي التعويل عليه في الجواب.
¥