تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال أبو عبد الله - عفا الله عنه-: "من أقوى الأدلة الدالة على عدم حجية الفعل الواقع في زمانه صلى الله عليه وسلم ولم يقم دليل على علمه به: ما أخرجه مسلم في صحيحه، قال - رحمه الله -: حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا يزيد بن زريع، عن أيوب، عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنه كان يكري مزارعه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي إمارة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وصدرا من خلافة معاوية، حتى بلغه في آخر خلافة معاوية، أن رافع بن خديج، يحدث فيها بنهي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل عليه، وأنا معه، فسأله، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن كراء المزارع، فتركها ابن عمر بعد.

- وقد يستدل بهذا الحديث على إباحة مصافحة الرجل لمحارمه، ومأخذ الحكم من الحديث من قوله: لا تحل له، فمفهوم المخالفة مفهوم الصفة أنها إن كانت من محارمه فإنه لا يحرم عليه ذلك، والقاعدة في الأصول: (أن مفهوم المخالفة الوصفي حجة في إثبات الأحكام)، وعندي أن هذا الاستدلال لا يصح، وأن مفهوم المخالفة بجميع أنواعه ليس بحجة، ويستدل على إباحة مصافحة الرجل لمحارمه بالأصل الذي هو الإباحة، وهو ما يسمى بالاستصحاب عند الأصوليين، والقاعدة في الأصول: (أن الاستصحاب حجة في إثبات الأحكام)، ولم يرد دليل يقتضي الخروج عن هذا الأصل بالنسبة للمحرم، والقول بالإباحة مذهب الجمهور وحكي اتفاقا، وذهب الشافعية في قول والحنابلة في غير الآباء مع الأبناء إلى تحريم ذلك، وفي شرح المنتهى: "وَكَرِهَ أَحْمَدُ مُصَافَحَةَ النِّسَاءِ، وَشَدَّدَ حَتَّى لِمَحْرَمٍ غَيْرِ أَبٍ".

- استدل بعض الأشياخ المعاصرين بالحديث على تحريم المصافحة ولو كانت من وراء حائل، ومأخذه في التحريم تقدم تقريره، وأما مأخذ كونه صادقا على هذه الصورة فمن قوله: يمس، قال وهذا مس، قلت: هذا الاستدلال فيه نظر فالمس في اللغة لا يصدق على هذه الصورة، والعجيب أنه قرر هذا في مسألة مس الذكر، ومسألة مس المرأة، وأن الناقض من ذلك ما كان من غير حائل، والباب واحد، وقد ذهب بعض الفقهاء إلى إباحة المصافحة من وراء حائل، (فهم من بعض كلام الشافعية انظر تحفة المحتاج)، ونص الإمام أحمد -رحمه الله- على المنع من ذلك؛ ففي الآداب الشرعية لا بن مفلح: "قَالَ مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللَّهِ بن مِهْرَانَ: سُئِلَ أبو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّجُلِ يُصَافِحُ الْمَرْأَةَ قَالَ: لَا، وَشَدَّدَ فِيهِ جِدًّا قُلْت: فَيُصَافِحهَا بِثَوْبِهِ قَالَ: لا.

*واستدل من قال بالإباحة بما أخرج الطبراني في المعجم الأوسط، قال - رحمه الله- حدثنا إبراهيم قال: نا محمد بن مرزوق قال: نا عتاب بن حرب أبو بشر المزني، أنا المضاء الخزاز، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن معقل بن يسار، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصافح النساء من تحت الثوب، وجه الاستدلال: أن هذا فعل منه صلى الله عليه وسلم، والقاعدة في الأصول: (أن فعله صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز)، ويجاب عن الاستدلال بهذا الخبر بأنه حديث ضعيف، في إسناده عتاب بن حرب قال البخاري: سمع منه عمرو بن علي وضعفه، والمضاء بن الخزاز مجهول، و القاعدة في الأصول: (أن الحديث الضعيف ليس بحجة في إثبات الأحكام).

* والصحيح عدم جواز ذلك، فقد في جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش ... »

والبطش في اللغة التناول باليد سواء كان ذلك من وراء حائل أم لا، ولا يصح تقييد التحريم بما إذا كان بشهوة، لأن قوله في الحديث"البطش" عام يشمل ما إذا كان بشهوة أو بغيرها، فالقاعدة في الأصول: (أن المفرد المحلى بأل الاستغراقية يفيد العموم).

انتهى شرح الحديث، والله تعالى أعلم.


*حكم إرداف الرجل للمرأة الأجنبية"وله نوع علاقة بماسبق":
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير