تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[وقفات مع الشتاء]

ـ[البتول]ــــــــ[25 - 12 - 09, 08:16 م]ـ

بقلم: فضيلة الشيخ/ عبدالعزيز بن محمد السدحان

في مثل هذه الأيام تكون هناك حالة استنفار عامة في مجتمع المسلمين، وذلك لحلول وقت الشتاء، فيتوافد الناس زرافات ووحداناً إلى الأسواق لشراء طعام الشتاء وشرابه ولباسه وكسائه، وهذا أمر لا غرابة فيه، بل إن فعل ذلك من محض الأسباب، التي يسّرها الله عزّ وجلّ للناس، وقد أمر الله بفعل تلك الأسباب؛ لأنها تكون عوناً بعد الله على مقصود الناس ومرادهم·

كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (15) [الملك: 15]، وقال عزّ وجلّ: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (10) [الجمعة: 10] ·

إلى غير ذلك من الآيات الدالة على فعل الأسباب، وليس هذا هو المراد من الحديث، إنما المراد أن نقف وقفات مع هذا الشتاء الذي يتكرر علينا كل عام، نقف وقفات نتأمل فيها ونعتبر ونرى ماذا قدمنا وما الذي أخرنا وهل أحسنّا أو قصّرنا؟!

فيقال وبالله التوفيق:

الوقفة الأولى:

إن دخول فصل شتاء جديد يشير إلى انسلاخ عام كامل بأيامه ولياليه، عام متكامل قوض خيامه وشد وتصرمت أيامه ولياليه، والعباد فيه ما بين مستقل ومستكثر من الخير والشر، وهو معدود من عمر كل واحد منا·

تمر بنا الأيام تترى وإنما

نساق إلى الآجال والعين تنظر

فلا عائد ذاك الشباب الذي مضى

ولا زائل هذا المشيبُ المكدَّرُ

وإذا علم هذا فلينظر كل مِنَّا كم فرط في عمره من الأوقات في حالة صحته وشبابه، وليراجع نفسه حق المراجعة، فإن كان محسناً فليزداد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فليبادر بإصلاح عيبه والتوبة من ذنبه، وليجعل نصب عينيه قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (82) [طه: 82] ·

الوقفة الثانية:

يتقي الناس برد الشتاء ويحتاطون من خطره بما سخره الله تعالى لهم من الأسباب، ويتنافسون في التدثر بالملابس ويوصي بعضهم بعضاً بذلك، ولكنّ هناك أمراً غفل عنه الكثير أو يجهله الكثير، وهو أن هذا التغير الكوني في فصول السنة ينبغي ألا يمر دون استشعار وتفكر فيه، فما خلق الله شيئاً إلا لحكمة {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} (115) [المؤمنون: 115] · شاهد القول: إن ذلك التغير الكوني في برودة الوقت واشتداد البرد في ذلك الفصل من السنة ينبغي أن يربط بأمر الآخرة، حيث جاءت نصوص تؤكّد هذا المبدأ ليزداد المؤمنون إيماناً مع إيمانهم·

ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أصحابه بأن تغير الأحوال وتعاقبها فيه حِكَمٌ وأحكام، والأمثلة على هذا كثيرة ويكفي شاهداً لهذا المبدأ في مقامنا هذا ما يتعلق بشدة البرد، قال صلى الله عليه وسلم: "اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً، فأذن الله لها بنفسين، نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير" أخرجه الشيخان·

أيا ترى كيف يكون حال المسلم لو جعل هذا الحديث في سويداء قلبه ونصب عينيه؟

إن الجواب عن ذلك أن يقال: إن استحضار تلك النصوص في تلك المقامات مما يحث العبد ويشحذ همته وعزيمته في الرغبة في فعل الخير والرهبة من ارتكاب الشر·

ولقد كان هذا المبدأ مما عوّد النبي صلى الله عليه وسلم عليه أصحابه كما سلف آنفاً، فزادهم ذلك في المسارعة والتزوّد من فعل الخيرات، وعلى هذا فلنحرص جميعاً معاشر المسلمين في اغتنام هذه المناسبات في مضاعفة الجهد في عمل الخير على اختلاف أنواعه وأزمنته وأمكنته·

الوقفة الثالثة:

أن نستشعر تيسير تلك النعم التي يُتقى بها البرد وشدّته وأن نحمد الله تعالى عليها، ونشكره على تسخيرها وسهولة الحصول عليها·

وكما قيل: إن النعم بشكرها تقر، وبكفرها تفر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير