هذا، والشيخ في عنايته بالحديث وترجيحه، والاهتمام العلمي والبحثي به وبعلومه، يعكس نسيجًا متوائمًا مما أبرزتْه هذه الدعوة الإصلاحية؛ حيث اهتمَّتْ بتصحيح العقيدة، كذا الحفاوة بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فتلقى أبناؤها عن علمائها وأئمتها هذه الحفاوةَ والاهتمام، ولا يخفى بروز عناية الشيخ سليمان بن عبدالله ابن شيخ الإسلام بالحديث وعلومه، ومعرفته برجاله أكثر من معرفته برجال الدرعية! وثمة نماذج عديدة غيره.
فجاء البحث في تمهيد يتلو التوطئة، وتسعة مباحث:
وقد أوردت في هذه المباحث نماذجَ مختارةً من كلامه، وتطبيقات تلكم الحفاوة في باب العقيدة، من تقريرات سماحة الشيخ ابن باز وشروحه وفتاواه، تدل على المقصود، وتحقيق المراد.
هذا، وثمة جوانب من عناية سماحة شيخنا وحفاوته واهتمامه بالحديث النبوي، وأثره عليه في الدعوة إلى الله على منهاج النبي - صلى الله عليه وسلم - وسبيله، وأثره عليه في فتاواه، وأثره في أحواله وسيرته الذاتية واليومية.
وقد أرفقت بنهاية البحث ملحقًا بنماذج صور من نسخ الشيخ ابن باز الخاصة في مكتبته، من تعليقه وتعقبه على الحافظ ابن حجر في بعض الرواة المختلف عليهم.
هذا، وقد أظهرت أثر هذه العناية بالعقيدة السلفية في المبحث الأول، عند تقرير مصادر العقيدة السلفية الصحيحة تلقيًا واستدلالاً عند ابن باز - رحمه الله - وفي المبحث الرابع عند التنويه على تعليقات الشيخ ابن باز على "فتح الباري"؛ حيث عرضتُ فيه تسعة نماذجَ متنوعةٍ من تعليقات الشيخ ابن باز في العقيدة في أول واجب على المكلَّف، والتنبيه على غلط المؤولة لصفة العلو، ومسألة التحسين والتقبيح العقليين، ومسألة التبرُّك بآثار الصالحين، ومسألة البناء على القبور وزيارة النساء لها، ثم نموذجًا لتعليق فقهي يتعلق بطهارة بول ما يؤكل لحمُه، ثم تعليقات تتعلق بالصناعة الحديثية: في علل الحديث، ومراسيل التابعين، والحكم على الأحاديث صحة وضعفًا، وتراجم الرُّواة فيما يتعلق بسماعهم، وشرط الإمام البخاري، وأيضًا من خلال ما سقته من أمثلة وتطبيقات من كلام الشيخ ابن باز - رحمه الله - على المباحث السابقة، ومقدمًا ومجليًّا نماذجَ العقيدة بالتمثيل على غيرها.
علمًا أنني لم أتطرق فيها لمنهج سماحة شيخنا في العقيدة، وجهوده فيها، ومواقفه من الدعوات الضالة والمناهج الوافدة؛ حيث ليس ذا من مناط البحث، ومحلُّه الأطاريح العليا.
هذا، وما كان من صواب، فهو بتوفيق الله وتسديده، وما كان فيه من خطأ أو تقصير، فمن نفسي والشيطان، وأعوذ بالله منه، وأستغفره من الخطأ والزلل.
وما هذا البحث إلا جهد يسير؛ لإبراز جهود هذا العَلَم الجهبذ، في مضمار الحفاوة والعناية بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - من خلال حديثه الشريف، ولترسم الخُطا، وإيضاح معالم هذا النهج الموفق، والسبيل المبرور، وهي دعوة للباحثين وطلاب العلم للعناية بهذا الجانب، وتوليته الاهتمامَ اللائق في بحوثهم ودراستهم، ولا سيما الأطاريح العليا (1) - وفق الله الجميع - وهو - سبحانه - المسؤول أن يلهمنا رشدنا، ويدلنا على مرضاته، ويجنِّبنا أسباب سخطه، ويكلل مقاصدنا وأقوالنا وأعمالنا بالرِّضا والقَبول، والإخلاص له وحده، والنوال عنده، والله أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه.
التمهيد: وفيه نبذة تعريفية بسماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله:
نوهت في هذه النبذة بسماحة شيخنا، من خلال نبذة مختصرة أملاها الشيخُ تعريفًا بنفسه، وعرضًا لأهم شيوخه ونشأته، معدِّدًا أهمَّ مؤلفاتِه ومناصبه، واكتفيت بها عن التطويل في إنشاء ترجمة لائقة به، فهذه الترجمة أملاها شيخنا بلفظ نفسه، وطُبعتْ في حياته عام 1416هـ ضمن أول مجموع فتاواه ورسائله ومقالاته، المسمى "مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة"، هو جمع لفتاوى ورسائل سماحة الشيخ ابن باز (2).
هذا، وقد أضفت إليها - ولكن في حواشيها - بعضًا من زوائد ذكر الشيوخ، والكتب المقروءة عليهم، وأشياء غيرها مما سمعتُه منه، وعرفته عنه - رحمه الله - سالكًا في هذا كله مسلكَ الاختصار، مع بعض التفصيل، على منهج ترجمته - رحمه الله - لنفسه.
¥