والحديث يدلُّ على أنَّ صلاة المرأة في بيتها أفضل من حضورها للمسجدِ النبوي والصلاة خلف سيِّد البشر r ، مع أنّه لا يخفى أنَّ في الصلاة معه r من المصالح والمنافع ما ليست في الصلاة مع غيره من معرفة صفة صلاته، ومعرفة هديه وسماع حديثه إن تحدّث بعد الصلاة، وغير ذلك، فما الحكمة من ذلك؟
قال في عون المعبود: ((صلاة المرأة في بيتها) أي الداخلاني لكمال سترها (أفضل من صلاتها في حجرتها) أي صحن الدار، قال بن الملك أراد بالحجرة ما تكون أبواب البيوت إليها وهي أدنى حالا من البيت (وصلاتها في مخدعها) بضم الميم وتفتح وتكسر مع فتح الدال في الكل وهو البيت الصغير الذي يكون داخل البيت الكبير يحفظ فيه الأمتعة النفيسة من الخدع وهو إخفاء الشيء أي في خزانتها أفضل من صلاتها في بيتها لأن مبنى أمرها على التستر) ([30] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn30)).
وبه تعلمُ أنّ النبي r جعل صلاة المرأة تزدادُ فضلاً كلما كانت عن مخالطة الرجال أبعد، وكانت إلى عقر دارها أقرب.
ومع هذا فلا تمنع من الحضور للمسجد بشروطه قال النووي: (قوله r « لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» ([31] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn31)) هذا وشبهه من أحاديث الباب ظاهر في أنها لا تمنع المسجد لكن بشروط ذكرها العلماء مأخوذة من الأحاديث وهو أن لا تكون متطيبة ولا متزينة ولا ذات خلاخل يسمع صوتها ولا ثياب فاخرة ولا مختلطة بالرجال) ([32] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn32)).
قال ابن دقيق العيد: (الحديث ([33] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn33)) عام في النساء ولكن الفقهاء قد خصوه بشروط وحالات منها: أن لا يتطيبن وهذا الشرط مذكور في الحديث ففي بعض الروايات: «وليخرجن تفلات» ([34] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn34)) وفي بعضها: «إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا» ([35] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn35)) وفي بعضها: «إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تطيب تلك الليلة» ([36] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn36)) فيلحق بالطيب ما في معناه فإن الطيب إنما منع منه لما فيه من تحريك داعية الرجال وشهوتهم وربما يكون سببا لتحريك شهوة المرأة أيضا فما أوجب هذا المعنى التحق به) ([37] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn37)) قال مقيّده: وإثبات العلّة هنا ظاهر بمسلك المناسبة والسبر والتقسيم، وتفصيل بيانه يخرج عن المقصود مع ظهوره.
وقد ألحق جماعة من أهل العلم بالطيب الاختلاط بالرجال بالجامع المذكور والقاعدة في علم الأصول: (إذا وجدت العلّة ثبت الحكم).
قال ابن حجر: (ويلحق بالطيب ما في معناه لأن سبب المنع منه ما فيه من تحريك داعية الشهوة كحسن الملبس والحلي الذي يظهر والزينة الفاخرة وكذا الاختلاط بالرجال) ([38] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn38))
وقال الشنقيطي / في أضواء البيان: (وإذا علمت أن هذه الأحاديث دلّت على أنّ المتطيِّبة ليس لها الخروج إلى المسجد، لأنها تحرِّك شهوة الرجال بريح طيبها. فاعلم أن أهل العلم ألحقوا بالطيب ما في معناه كالزينة الظاهرة، وصوت الخلخال والثياب الفاخرة، والاختلاط بالرجال، ونحو ذلك بجامع أن الجميع سبب الفتنة بتحريك شهوة الرجال، ووجهه ظاهر كما ترى.) ([39] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn39))
فهذا الحديث دلّ على أنَّ حضورها للمسجد مفضول مع جوازه، فهل جواز حضورها للمسجد دليلٌ على جواز اختلاطها بالرجال في المسجد؟
بيّناه ويتبيّن أكثر بما يلي:
الحديث الثالث:
عن أبي هريرة ط قال قال رسول الله r:« خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها» ([40] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn40)).
ها قد حضرتْ للمسجد، فلمَ لا تصلي بجوار الرجل وتقف معه جنبًا إلى جنب (بغير ريبة ولا شهوة) لتدرك فضل الصفّ الأول، وتصلي خلف النبي r فتسمع تكبيره وتلاوته بوضوح، فإذا تحدّث بعد الصلاة سمعت ورأت عن قرب كسماع الرجل؟
لم لا تلي النبي r وهو يقول: «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى» ([41] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn41))؟
لم لا تتقدّم والنبي r يقول: «تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله» ([42] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn42))
¥