وقال الشيخ عبدالفتاح أبو غدة ـ رحمه الله ـ في تحقيقه لرسالة المسترشدين ص 121: " وفي هذا الحديث بَيَّنَ النبي ? أنَّ بين هذه الفواحش ترابطاً قوياً 0 إذ1 كلّ واحد منها تستدعي الأخرى، فالزنى يستدعي استحلال التزين بالحرير، وهو حرام على الرجال 0 كما يستدعي استحلال شرب الخمر، واستحلال عزف آلت اللهو، ليُزادَ بذلك عرُام الفساد في ذلك في نفوس أهله، وليؤجِّجَ ليَهيبه إذا فتر فيها انسأل الله السلامة والعافية "0
(2) 10/ 55 0
ووجه الدلالة أن " المعازف " هى آلات اللهو لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك، فدل على حرمتها بكل أنواعها إلا ما استثناه الشارع كما سيأتي إن شاء الله 0
قال ابن القيم الجوزي (1): " ووجه الدلالة منه، أن المعازف هى آلات اللهو كلها، لاخلاف بين أهل اللغة في ذلك، ولو كانت حلالاً لما ذَمَّهم على استحلالها، ولما قَرَن استحلالها باستحلال الخمر والخز، فإن كان بالحاء والراء المهملتين، فهو استحلال الفروج الحرام، وإن كان بالخاء والزاى المعجمتين، فهو نوع من الحرير، غير الذي صحَّ عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لبسه إذ الخزُّ نوعان: أحدهما: من حرير 0 والثاني: من صوف، وقد روي هذا الحديث بالوجهين 0 إنتهى 0
وقوله ? في الحديث الثاني: " إن في أمتي خسفاً وقذفاً ومسخاً000 "
قال ابن القيم في رسالته: " وقد توعد مستحلي المعازف فيه بأن يخسف الله بهم الأرض، ويمسخهم قردة وخنازير، وإن كان الوعيد على جميع هذه الأفعال، فلكل واحد قسط في الذم والوعيد 0
قلت: وهذا غاية الوعيد على هذه الأصناف من الناس الذين تظهر فيهم المعازف والحرير والخمور بكثرة، بل جعلها النبي ? من المعاصي يأذن بها الله بقيام الساعة ولا حول ولا قوة إلا بالله 0 ويؤيد هذا فيما رواه ابن حبَّان في صحيحه عن أبي هريرة ? أن النبي ? قال: " لاتقوم الساعة حتى يكون في أمتي خسفُُ ومسخُُ وقذفُُ "0
أما قوله: " إن في أمتي خسفاً ومسخاً وقذفاً " أى تمسخ طائفة من أمتي محمد ? قردة وطائفة خنازير، ويخسف بطائفة، كما دلت عليه الروايات الأخرى في معنى المسخ والقذف 0
(1) رسالة في أحكام الغناء ـ تحقيق محمد حامد الفقي ـ وفي إغاثة اللهفان: ص 392 0
وتحقيق القول في ذلك، ماذكره الإمام ابن القيم في أحكام الغناء (1) 0 إذا إتصف القلب بالمكر والخديعة والفسق، وانصبغ بذلك صبغا تاما، صار صاحبه على خُلقُ الحيوان الموصوف بذلك: من القردة، والخنازير، وغيرهما 0 ثم لايزال يتزايد ذلك الوصف فيه حتى يبدو على صفحات وجهه بدواً خفياً، ثم يقوى ويتزايد حتى يصير ظاهراً على الوجه، ثم يقوى حتى يقلب الصورة الظاهرة 0كما قلب الهيئة الباطنة 0
ومَنْ له فراسة تامة يرى على صور الناس مسخاً من صور الحيوانات التي تخلقوا بأخلاقها في الباطن، فقلَّ أن ترى مختالاً مكاراً مخادعاً ختَّاراً إلا وعلى وجهه مسخة قرد، وقلَّ أن ترى رافضياً إلا على وجهه مسخة خنزير، وقلَّ أن ترى شَرِها نهِماً، نفسُه نفس كلبيّه إلا على وجهه مسخة كلب 0 فالظاهر مرتبط بالباطن أتمَّ إرتباط، فإذا استحكمت الصفات المذمومة في النفس قويت على قلب الصورة الظاهرة، ولهذا خوَّف النبي ? مَنْ سابق الإمام في الصلاة بأن يجعل الله صورته صورة حمار لمشابهته للحمار في الباطن، فإنه يستند بمسابقة اإمام إلا فساد صلاته، وبطلان أجره، فإنه لايُسَلِّم قبله، فهو شبيه بالحمار في البلادة، وعدم الفطنة 0 إذا عرف هذا فأحق الناس بالمسخ هؤلاء الذين ذكروا في هذه الأحاديث، فهم أسرع الناس مسخاً قردة وخنازير، لمشابهتهم لهم في الباطن، وعقوبات الرب تعالى ـ نعوذ بالله منها ـ جارية على وفق حكمته وعدله 00إنتهى 0
(1) رسالة في أحكام الغناء: ص 46 لبن القيم 0
• وقوله عليه الصلاة والسلام:" إن الله حَرَم علىَّ الخمر، والميسر، والكوبة، وكل مسكر حرام 0 (1)
ففي هذا الحديث دليل على حرمة المعازف في قوله الكوبة 0 قال الخطابي في " المعالم ": " والكوبة يُفسر بـ " الطبل "، ويقال: هو " النرد "، ويدخل في معناه كل وتر ومزمر ونحو ذلك من الملاهي والغناء "0
وقال أحمد في كتاب " الأشربة " (2) يعني بـ الكوبة كل شىء يكب عليه 0
¥