تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأذكار التي هي محور النزاع جاء طلبها مطلقا عن الوقت والعدد ورتب الشارع على فعلها ثوابا وأعطاها حكما ندبيا خفيفا يحصل الثواب بفعلها في أي وقت ويؤدى المندوب بأي عدد، ثم جاءت أذكارا شرعية مقيدة بالوقت أو العدد ورتب الشارع على هذه المقيدات مزايا وخواص لا توجد في المطلقات، مثلا سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين جاءت مقيدة بهذا العدد والوقت ورتب عليها الشارع مزية لا توجد مع الأذكار المطلقة عن الوقت والعدد حتى إنه جعلها تفوق غيرها من الأذكار وصاحبها لا يلحقه إلا من فعل فعله (71). فهذا الذكر المعين والعدد المعين والوقت المعين لم تظهر المناسبة بينهما وبين هذا الفضل العظيم والثواب الجزيل المرتب عن المذكورات، فمن حام حول قياس كقياسك يا (ناصر معروف) كان قمينا بأن نتلوا عليه (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (72).

مثالا آخر في الأذكار، الذكر الذي تضمنه الحديث الملقب بسيد الاستغفار المخرج عند البخاري عن شداد بن أوس، رتب عليه الشارع مزية وخواص لا توجد مع غيره من أنواع الاستغفار فإنه رتب عليه أن من قاله حين يمسي فمات دخل الجنة أو كان من أهل الجنة (73). فإذا جئت لتفهم العفة في تعيين تلك الألفاظ والأوقات من بين الألفاظ الذكرية والأوقات من بين الألفاظ الذكرية والأوقات الليلية والنهارية؛ لم تهتد إلى عفة مناسبة لتحمل على هذا الذكر المقيد بهذا الوقت أذكارا أخر في أوقات أخر.

فلو جوزنا قياس (الناصر معروف) ذاك القياس الطرقي لا الأصولي الديني، وأبحنا لمشائخ الطرائق أن يحددوا للناس الأذكار والأوقات، فما هي المزايا التي يقتضيها تحديدهم؟.

فإن قال الطرقيون: مزايا وخصائص يعلمها الطرقيون.

قلنا لهم: أعظمتم الفرية فإن علم المزايا والخواص فوق يد الطرقيين وعدم تحديد رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الأذكار الطرقية يرد عليكم، فإنه يمتنع عقلا وشرعا أن تدركوا شيئا لم يدركه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإن قلتم: نحدد تحديدا مخترعا مبتدعا لا لمزية شرعية معتبرة.

قلنا لهم: حددوا في غير حفظ الله وطاعته، واعلموا أنكم بتحديدكم اعتديتم على الدين بزيادة لم يأذن فيها وأفسدتم ما فيه من حكم عالية مودعة في كل فضيلة من فضائل هذا الدين الذي ختم الله به الأديان، وجمع فيه ما تشتت من الفضائل والمزايا في بقية الملل والنحل.

وهذه نتفة صغيرة أصولية قدمناها لأهل العلم لا لأهل الجهل، ليدركوا بها قيمة (الناصر معروف) - وقيمة كل امرئ ما يحسن- العلمية. وظني أن ما بناه (الناصر معروف) من الأوهام في مقالاته قد تداعى بهذه المعاول التي نزلنا بها تلك الخيالات التي يظنها، لما وسمتها جريدة البلاغ، بأنها حكمة وفصل خطاب كأن (الناصر معروف) نبي الله داود عليه السلام. هان أراد الهادي المهتدي أن يرى سخافات (الناصر معروف) فليراجع مقاله الثالث الذي خصصه لإعطاء العهود فإنه يدعي أن تبليغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم للأذكار إعطاء العهود الطرقية ولست أدري لم لم يدع (الناصر معروف) أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) إعطاء للعهود في فرائض الصلاة وسننها وما يلحقها. وقوله: ((خذوا عني مناسككم)) إعطاء العهود في مناسك الحج. ولولا ما أصبنا به من نكبات الجهل في أمتنا الجزائرية ما أقمت وزنا لكلام جريدة البلاغ وكتابها، ولو جمعوا جموعهم في صعيد واحد ما كونوا عالما من خصومهم. وفي أقلام أصحاب جريدة البلاغ عبرة علمية عظيمة، تلك العبرة أن قوانين العلم من عهد أرسطاطاليس وأفلاطون أن الدعوى المتنازع فيها لا تثبت إلا بأمرين:

الأول: إبطال دليل الخصم.

والثاني: سلامة دليل المبطل من القدح.

هكذا قال العلم قبل ظهور (الناصر معروف)

وأمثاله. أما الآن فقد تجددت مناهج العلم كما تجددت أساليب التصوف وصار (الناصر معروف) لا يبطل أدلة خصمه ولا يقيم دليلاً على دعواه ومع هذه المهزلة يزعم أنه يرد علي. ولعلك أيها القارئ العالم بدلالة الألفاظ فهمت سر قولي آنفا والناصر معروف يريد من الباطلين حقا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير