[شرح حديث مررت على موسى وهو يصلي في قبره]
ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[02 - 01 - 10, 10:49 م]ـ
[شرح حديث مررت على موسى وهو يصلي في قبره]
ذُكر في أحد أحاديث صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى موسى عليه السلام يصلي في قبره. أرجو شرح هذا الحديث بالتفصيل.
الجواب:
الحمد لله
هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة التي يوردها العلماء في فضائل نبي الله موسى عليه السلام، يرويه الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَتَيْتُ – وفي رواية: مررت - عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ) رواه مسلم (2375).
وفي هذا الحديث مسائل، يمكن إجمالها فيما يأتي:
أولا:
اختلف العلماء في مكان قبر موسى عليه السلام، وهذا الحديث يدل على أنه في طريق بيت المقدس عند الكثيب الأحمر، وهذا وصف مبهم بعض الشيء، وليس وصفا محددا، ولعل الحكمة من ذلك ألا يتخذ قبره معبدا.
قال القرطبي رحمه الله:
" الكثيب: هو الكوم من الرمل، وهذا الكثيب هو بطريق بيت المقدس " انتهى.
" المفهم " (6/ 192)
وقال أيضا:
" وهذا يدل على أن قبر موسى أخفاه الله تعالى عن الخلق، ولم يجعله مشهورا عندهم، ولعل ذلك لئلا يعبد، والله أعلم " انتهى.
" المفهم " (6/ 222). وانظر: " عمدة القاري " للعيني (12/ 474)
ثانيا:
في هذا الحديث دليل على حياة الأنبياء بعد موتهم، وأنهم يتميزون عن سائر الأموات، إلا الشهداء، بأن الله يحييهم مرة أخرى حياة خاصة، فيها من النعيم والكرامة ما لا يتعرض له أحد من الناس.
وقد دلت على ذلك أدلة أخرى كثيرة، من أصحها وأشهرها حديث الإسراء والمعراج، حيث جاء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الأنبياء في السماوات، وصلى بهم إماما في بيت المقدس.
ومنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون)
رواه البزار (256)، وحسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (621)
وقد قرر ذلك أهل العلم في كتبهم، حتى صنف الإمام البيهقي في هذه المسألة جزءًا بعنوان: " حياة الأنبياء بعد وفاتهم "، وصنف الإمام السيوطي جزءًا بعنوان: " إنباء الأذكياء بحياة الأنبياء ".
وقال البيهقي رحمه الله:
" لِحياة الأنبياء بعد موتهم صلوات الله عليهم شواهدُ من الأحاديث الصحيحة " انتهى.
" حياة الأنبياء " (ص/77)
وقال السيوطي رحمه الله:
" حياة النبي صلى الله عليه وسلّم في قبره هو وسائر الأنبياء معلومة عندنا علماً قطعياً؛ لما قام عندنا من الأدلة في ذلك، وتواترت به الأخبار " انتهى.
" الحاوي للفتاوي " (2/ 139)
ثالثا:
قال القرطبي رحمه الله:
" وهذا الحديث يدل بظاهره على: أنه صلى الله عليه وسلم رأى موسى رؤية حقيقية في اليقظة، وأن موسى كان في قبره حيا، يصلي فيه الصلاة التي كان يصليها في الحياة، وهذا كله ممكن لا إحالة في شيء منه، وقد صح أن الشهداء أحياء يرزقون، ووجد منهم من لم يتغير في قبره من السنين، وإذا كان هذا في الشهداء كان في الأنبياء أحرى وأولى " انتهى.
" المفهم " (6/ 192)
وقال ابن القيم رحمه الله:
" الأنبياء إنما استقرت أرواحهم هناك – يعني في السماء - بعد مفارقة الأبدان، وروح رسول الله صلى الله عليه وسلم صعدت إلى هناك في حال الحياة ثم عادت – يعني في الإسراء والمعراج -، وبعد وفاته استقرت في الرفيق الأعلى مع أرواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومع هذا فلها إشراف على البدن، وإشراق، وتعلق به، بحيث يرد السلام على من سلم عليه، وبهذا التعلق رأى موسى قائما يصلى في قبره، ورآه في السماء السادسة، ومعلوم أنه لم يعرج بموسى من قبره ثم رد إليه، وإنما ذلك مقام روحه واستقرارها، وقبره مقام بدنه واستقراره إلى يوم معاد الأرواح إلى أجسادها، فرآه يصلى في قبره، ورآه في السماء السادسة، كما أنه صلى الله عليه وسلم في أرفع مكان في الرفيق الأعلى مستقرا هناك، وبدنه في ضريحه غير مفقود، وإذا سلم عليه المسلم رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام، ولم يفارق الملأ الأعلى.
¥