[الناس بعد انقضاء مجالس الذكر .. من كلام الحافظ ابن رجب رحمه الله.]
ـ[أبو حاتم المهاجر]ــــــــ[08 - 01 - 10, 07:06 م]ـ
قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا: و ما رياض الجنة؟ قال: مجالس الذكر (
فإذا انقضى مجلس الذكر فأهله بعد ذلك على أقسام:
- فمنهم من يرجع إلى هواه فلا يتعلق بشيء مما سمعه في مجلس الذكر و لا يزداد هدى و لا يرتدع عن ردىء و هؤلاء أشر الأقسام و يكون ما سمعوه حجة عليهم فتزداد به عقوبتهم و هؤلاء الظالمين لأنفسهم: {أولئك الذين طبع الله على قلوبهم و سمعهم و أبصارهم و أولئك هم الغافلون (
- ومنهم من ينتفع بما سمعه و هم على أقسام: فمنهم من يرده ما سمعه عن المحرمات و يوجب له التزام الواجبات و هؤلاء المقتصدون أصحاب اليمين و منهم من يرتقي عن ذلك إلى التشمير في نوافل الطاعات و التورع عن دقائق المكروهات و يشتاق إلى إتباع آثار من سلف من السادات و هؤلاء السابقون المقربون.
و ينقسم المنتفعون بسماع مجلس الذكر في استحضار ما سمعوه في المجلس و الغفلة عنه إلى ثلاثة أقسام:
1 - فقسم يرجعون إلى مصالح دنياهم المباحة فيشتغلون بها فتذهل بذلك قلوبهم عما كانوا يجدونه في مجلس الذكر من استحضار عظمة الله و جلاله و كبريائه و وعده و وعيده و ثوابه و عقابه و هذا هو الذي شكاه الصحابة إلى النبي صلى الله عليه و سلم و خشوا لكمال معرفتهم و شدة خوفهم أن يكون نفاقا فأعلمهم النبي صلى الله عليه و سلم أنه ليس نفاق و في صحيح مسلم) عن حنظلة أنه قال: يا رسول الله نافق حنظلة قال: و ما ذاك قال: نكون عندك تذكرنا بالجنة و النار كأنها رأي عين فإذا رجعنا من عندك عافسنا الأزواج و الضيعة و نسينا كثيرا فقال: لو تدومون على الحال التي تقومون بها من عندي لصافحتكم الملائكة في مجالسكم و في طرقكم و لكن يا حنظلة ساعة و ساعة] و في رواية له أيضا: [لو كانت تكون قلوبكم كما تكون عند الذكر لصافحتكم الملائكة حتى تسلم عليكم في الطرق] و معنى هذا: أن استحضار ذكر الآخرة بالقلب في جميع الأحوال عزيز جدا و لا يقدر كثير من الناس أو أكثرهم عليه فيكتفي منهم بذكر ذلك أحيانا و إن وقعت الغفلة عنه في حال التلبس بمصالح الدنيا المباحة و لكن المؤمن لا يرضى من نفسه بذلك بل يلوم نفسه عليه و يحزنه ذلك من نفسه العارف يتأسف في وقت الكدر على زمن الصفا و يحن إلى زمان القرب و الوصال في حال الجفا
ما أكدر عيشنا الذي قد سلفا ... إلا وجف القلب و كم قد جفا
و اها لزماننا الذي كان صفا ... هل يرجع بعد فوته وا أسفا
2 - وقسم آخرون يستمرون على استحضار حال مجلس سماع الذكر فلا يزال تذكر ذلك بقلوبهم ملازما لهم و هؤلاء على قسمين: أحدهما: من يشغله ذلك عن مصالح دنياه المباحة فينقطع عن الخلق فلا يقوى على مخالطتهم و لا القيام بوفاء حقوقهم و كان كثير من السلف على هذه الحال فمنهم من كان لا يضحك أبدا و منهم من كان يقول: لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة لفسد و الثاني: من يستحضر ذكر الله و عظمته و ثوابه و عقابه بقلبه و يدخل ببدنه في مصالح دنياه من اكتساب الحلال و القيام على العيال و يخالط الخلق فيما يوصل إليهم به النفع مما هو عبادة في نفسه كتعلم العلم و الجهاد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و هؤلاء أشرف القسمين و هم خلفاء الرسل و هم الذين قال فيهم علي رضي الله عنه: صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمجل الأعلى.
ـ[أبو حاتم المهاجر]ــــــــ[08 - 01 - 10, 07:09 م]ـ
قال بعض السلف:
إن العالم إذا لم يرد بموعظة وجه الله زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا.
لطائف المعارف ..