تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بدا وكأن لا شيء يشغله غير هذه السحنات المكتنِزة بالبراءة والصدق، البعيدة عن الرياء والخداع، وكأنه يسابق صوت المنادي بنهاية اللقاء، ذلك الصوت الذي لا يحتمل المراجعة، ها هو ينهض سريعاً حريصاً على أن يبدو متجلداً، وهو يقدم لصغاره ما حضّره لهم من هدايا وألعاب.

زيارة أخرى، فثالثة ..

الجو مشحون بالغموض، والمصافحة الأولى مع الخال تكشف السر!

معانقة حارة يصحبها همسة سريعة، أن حدثاً جللاً وقع في "العليا"!

إذاً هذا الذي حال بين الجنّ وبين خبر التلفاز والصحيفة، لقد أصيب التلفاز بسكتة قلبية مفاجئة بسبب " عطل فني " طيلة الأسبوع، وأصاب "عطل آخر" سيارة الحارس الذي يحضر الصحف، وصادف في الوقت ذاته أن ترميمات وصيانة ظهرت فجأة في غرف الزيارة، وأدت إلى تأجيل الزيارات!

حقاً .. إن المصائب لا تأتي فرادى ..

ها هو العطل الحقيقي يظهر، إنه إرهاص مبكر بسلسلة من الأحداث الأليمة التي حصدت أرواح شباب في عمر الزهور، في عمل منحرف، يعوق التنمية، ويشل الدعوة، ويذهب بخط البوصلة إلى غير هدى.

جاره يحدّثه برؤياه البارحة، رأى أن أربعة من الشباب لا يعرفهم, دخلوا إلى الحلاق، وجلسوا على الكراسي، وبدأ يحلق رؤوسهم بطريقة غريبة، حيث يضرب شعورهم بموسى طويلة، فيتساقط الشعر المجزوز؛ أجابه على الفور أن أربعة سيعدمون، ربما على خلفية ذلك الحادث.

لا يطول ترقّبهم حتى يروا الاعترافات على التلفاز، ثم يتم تنفيذ الحكم في الأربعة.

الجو لا يزال ملبداً بالغيوم، والزيارة تتعرض لارتباك، ويعود عصفوراه أدراجهم دون أن يظفروا بتلك الدقائق التي هي كقطرات الماء للصادي.

محمد الحضيف يكسر المستحيل, ويبعث له على قرطاسة (نسكافة) بقلم يشبه الرصاص ..

((أحسست بالشجى في حديثك, ولم يكن صعباً أن أدرك عمق الأسى في وجدانك, لأنني أفهم هذه اللغة جيداً.

إنني مندوب جرح لا يساوم.

هذا كان حالي لأن بطاقة هديل (13 سنة) حيل بينها وبين الدخول، فكيف الحال لو كانت هديل نفسها؟

لا أظنني نجحت في التعبير عما في قلبي تجاهك.

إنك مقيم في أحلامي!))

يتجدد اللقاء في شعبان 1416، ويقعد عبد الرحمن في حجره، يناجيه ويناغيه، ويداعبه ويتلمّس تقاسيم وجهه، وهو يطوّق رقبته بذراعيه الصغيرتين، ويضع فمه في فمه، كما تعوّد أن يفعل .. وقبل الانصراف يتلو عليه " سورة العصر " بصوت جميل، تزينه لثغة تقلب الصاد والسين إلى " ثاء ".

الابتسامة لا تعني أنه لم يعِ الدرس، وكأن مَلَكاً ألقاها على لسانه، إنها آخر كلمة سمعها منه، فهي صورة لا تفارق خياله أبداً، خاصة عندما يمرّ بهذه السورة، وما أكثر ما يمرّ بها ..

في رمضان يكتفي بسماع الأخبار من جيرانه، حيث يوقف الزيارة متفرغاً للصيام والمراجعة.

هذا هو العيد السعيد!:

عيد تعاودنا في الجب يا عيد وقد مضى زمن فيك الأغاريد

استيقظ والدموع تبلل مقلتيه، لا يدري لماذا .. ؟

هل رأى فراخه في المنام، هل هو الإحساس عن بعد؟ ربما .. وبين تلك القضبان يتساوى الحلم باليقظة، جسد هنا وقلب هناك، غير أن تباشير الصباح تنساب من الكوّة الصغيرة في أعلى السقف، فوق رأسه، حيث اعتاد أن ينام، أعادته إلى طبعه الميال إلى الابتهاج!

استبشر بالأفق الساحر، وهو يتخيّله وراء الجدران السميكة

وتذكر سيل الزيارات القادم .. ترى من أول من يعايدني؟

وتمتم بدعائه المعتاد الذي يجمع قلبه عليه.

أنسباؤه في زيارة عاجلة، والحزن على ملامحهم، وعيناه تنتقلان بسرعة تبحثان عن سرّ، ودقات القلب تهبط ثم تعلو .. هل أصاب فراخه سوء؟

- أبداً نبشرك أن محمداً بخير ..

- وعبد الرحمن؟!

- هو في المستشفى .. لقد عادت الأسرة بعد شهرٍ من الصيام والعبادة في جوار البيت الحرام، وانفجر إطار السيارة (الجمس) الخلفي، وعجز أبو طارق عن التحكم فيها، فتدحرجت ذات اليسار، وتقلّبت مرات، وتناثر الصغار على جانب الطريق، وقضى أبو طارق نحبه، وأمّه، الطيبة منيرة، وزوجه، وعفاف، وعبد الملك، يا الله! ما أوجع أن يكثر حرف عطف في السياق ذاته! وفي اللحظة ذاتها، عليهم رحمة الله ..

ثم لحق بهم طارق وريّان , بعد أن مكثوا وقتاً يسيراً في مستشفى عفيف , ما بين (ظلم) و (عفيف)، وبعد الواحدة ظهراً، وفي ذات المكان الذي قضى فيه جدّهم (عبد الله) وبعض عائلته, في حادث مشابه, قبل سنوات؛ فغدا رقمهم صعباً لا ينسى (ثمانية زهر كما الأنجم الزهر).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير