تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[النقاب وأمن الفتنة، فوائد من كتيب فتاوى كبار علماء الأزهر الشريف حول النقاب]

ـ[هشام مشالي]ــــــــ[11 - 01 - 10, 11:00 ص]ـ

صدر كتيب عن دار اليسر بعنوان: فتاوى كبار علماء الأزهر الشريف حول النقاب.

وبه أسكتت أفواه العلمانيين المزورين للتاريخ والحقيقة، المدعين أن النقاب من عادات أهل الخليج، وأن الوهابيين والتيميين والحنابلة هم الذين فرضوه على نساء المسلمين.

كما أسكتت أفواه المنتسبين إلى العلم الذين يدعون أن النقاب بدعة، وأن الشريعة السمحة تأباه، ناسبين القول بكراهة النقاب للإمام مالك، وهو منه براء؛ حيث جاء في إحدى حواشي الكتيب التي كتبت بيمين أصولي محقق ما نصه:

عبارة الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير (1/ 351): قوله: (وانتقاب امرأة - أي يكره -) أي: سواء كانت في صلاة أو في غيرها كان الانتقاب فيها لأجلها أو لا (قوله: لأنه من الغلو) أي: الزيادة في الدين إذ لم ترد به السنة السمحة (قوله: والرجل أولى) أي: من المرأة بالكراهة (قوله: ما لم يكن من قوم عادتهم بذلك) أي: الانتقاب فإن كان من قوم عادتهم ذلك كأهل نفوسة بالمغرب فإن النقاب من دأبهم وعادتهم لا يتركونه أصلًا فلا يكره لهم الانتقاب إذا كان في غيرصلاة وأما فيها فيكره. ا.هـ. فتأمل رحمك الله عبارة هؤلاء الأجلاء، فإنك لا ترى فيها كراهة ستر وجه المرأة مطلقًا، والظاهر أنها مختصة بالنقاب من جهة كونه لباسًا خاصًا بهيئة معينة يوضع على الوجه، لا من جهة كونه ساترًا لوجهها، أي بحال ستر الوجه مع علمها بعدم نظر الرجال إليها، أو حتى مظنته. وهذا التوجيه هو اللائق بالعبارة السابقة، والمناسب لتسبيب الغلو المذكور، بل المتبادر فهمه لما استثناه إذا كان لبسه من عادة القوم، ومن شمول الحكم للرجال أيضًا. ثم راجع لزامًا (ص44)، و (ص46)، و (ص47) من هذا الكتاب؛ فإن فيها تصريح المذكورين من المالكية، خاصة الدسوقي صاحب العبارة التي بين يديك، وفي نفس الشرح، وقد صرح بجواز الستر عن أعين الرجال مطلقًا، ظنت الفتنة أم لا، بل الوجوب عند ظن الفتنة بها، فهل يمكن مع ذلك حكاية القول بكراهة النقاب عن هؤلاء الفقهاء، ونسبتهم بذلك إلى التناقض الصريح وبلبلة الأحكام؟! إن سلمنا بأن مدلول الكلام الكراهة مطلقًا فمردود قطعًا؛ لأنه معارض بأقوال من سبقه في المذهب، وعلى رأسهم الإمام مالك رحمه الله؛ فقد جاء في المدونة (1/ 463): أن مالكًا كان يوسع للمرأة أن تسدل رداءها من فوق رأسها على وجهها إذا أرادت سترًا، فإن كانت لا تريد سترًا فلا تسدل. وسئل عن المرآة المحرمة تغطي وجها؛ فقال مالك: إن كانت تغطيه من حَرٍ أو من شيء فلا، وإن كانت رأت رجالًا فغطت وجها تريد بذلك الستر فلا أرى بذلك بأسًا، وأرجو أن يكون خفيفًا. البيان والتحصيل (4/ 13). بل روى مالك في الموطأ عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت: كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق. قال الشيخ الزرقاني في شرحه (2/ 234): زاد في رواية: فلا تنكره علينا - أي أسماء - لأنه يجوز للمرأة المحرمة ستر وجهها بقصد الستر عن أعين الناس، بل يجب إن علمت أوظنت الفتنة بها، أو ينظر لها بقصد اللذة. ا.هـ. فإن كان هذا حال الإحرام؛ فكيف يكره الستر في غيره؟! بل تأمل قول الشيخ صالح عبد السميع الآبي الأزهري المالكي في جواهر الإكليل (1/ 42): حرم بسبب الإحرام بحج أوعمرة على المرأة لبس مخيط بيدها كقفاز، وستر وجه بأي ساتر، وكذا بعضه على أحد القوليين الآتيين، إلا ما يتوقف عليه ستر رأسها ومقاصيصها الواجب، إلا لقصد ستر عن أعين الرجال فلا يحرم ولو التصق الساتر بوجهها، وحينئذ يجب عليها الستر إن علمت أو ظنت الافتتان بكشف وجهها لصيرورته عورة؛ فلا يقال كيف تترك الواجب وهو كشف وجهها وتفعل المحرم وهو ستره لأجل أمر لا يطلب منها، إذ وجهها ليس عورة؟ وقد علمت الجواب بأنه صار عورة بعلم أو ظن الافتتان بكشفه. ا.هـ. وبذلك يتبين لك جليًا أن إطلاق القول بكراهة النقاب عن المالكية باطل محض، والمذهب عندهم جواز ستر المرأة وجهها، ووجوبه حال خشية الفتنة، بل أوجبه بعض متقدميهم (كابن العربي) في كل حال. والله أعلم.

وفي حاشية أخرى تأصيل رائع لمبحث الفتنة؛ إذ جاء فيها ما نصه:

الفتنة أو خشيتها لها متعلقان: أولهما: آحاد المكلفين؛ فخشية الفتنة في خصوص نفسه يمكن إدراكها وضبطها والحكم عليها باليقين أو الظن أو عدمهما، لذا يسلم القول بجواز النظر أو كشف الوجه من عدمه. أما ثانيهما: هو عموم المكلفين؛ فلا يتعلق بخصوص واحد؛ بل بمجموعهم، فيتعذر الإدراك والضبط والحكم على غرائز مجتمع بقطع وظن وغيره، لذا لا يسلم القول بعموم الجواز، فيمنع حسمًا لمادة الفتنة وسدًا لذريعتها. ومن أظهر المردود عادة أن تؤمن الفتنة عند الرجال جميعًا بالنظر إلى وجه امرأة واحدة، فكيف بنظرهم إلى كل من تخرج من النساء؟! يقول الشيخ محمد زاهد الكوثري: وعدم خوف الفتنة إنما يعلم في ناظر خاص، وأما بالنظر إلى جماهير الناس الذين تبرز المرأة سافرة أمامهم؛ فلا يتصور عدم خوف الفتنة منهم جميعًا، فيتحتم المنع من السفور أمامهم على هذا التعليل. انظر مقالات الكوثري (ص230). وبهذا يزول إشكال ما يظهر من التعارض بين القول بأن الوجه ليس بعورة في الصلاة وخارجها، والقول بوجوب أمر النساء بستره في الطرقات والأسواق، إذ الأول متعلق بآحاد المكلفين أو خصوص المسائل، أما الثاني فالبعموم المتعذر ضبط الفتنة فيه كما تقدم بيانه، فتأمل.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير