تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أختاه ... إن التعجب لم يكن من أمك سارة فحسب بل بدا أيضاً من خليل الرحمن إبراهيم (قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [الحجر:54 - 56]

فكان التعجب منهما والبشارة إليهما بغلام عليم صالحٍ صادق مبارك هو نبى الله إسحاق – عليه السلام – ابن إبراهيم. أخو إسماعيل. أمه سارة. جدة يعقوب والد يوسف – عليهم السلام -.

أرأيتِ - أختاه - إنها لتجربة عميقة جليلة مرهوبة .. هذا السؤال من سارة وإبراهيم الموصولين بالله (أَأَلِدُ، أَبَشَّرْتُمُونِي؟!) ليصور مدى بُعد هذا الثواب عن مخيلتهم، ولكن فرج الله وعونه ومدده يأتى لعباده بفضله الجزيل وكرمه العميم فوق وفوق ما يتصوره عقل المبتلى حتى إذا نفس الكرب وجاء المدد من الرب أصابته نوبة تعجبية سرعان ما تزول بتذكر حكمة الله وقدرته المطلقة.

...

..... فى وداع سارة .....

ها هى الأيام تمر، والسنون تمضى وبعد أن بلغت سارة من العمر مائة وسبع وعشرون سنة كلها جهاد وابتلاء، وصبر وعناء، وتمكين ورضاء جاء الوقت الموعود لانتقالها إلى الدار الآخرة.

فوداعاً – أماه – فقد آن لك أن تستريحي وتبدئي حياة جديدة لكن مع نعيم مقيم لا شقاء فيه ولا بلاء.

وداعاً – أماه – يا من سطرت على جبين التاريخ سطوراً من النور، ونشرتِ عبيراً يفوح منه عبق الصبر والعطاء ملئ أرجاء الكون.

وداعاً – أماه – يا شعاع أمل يضئ درب الحائرات اليائسات فى الثقة بنصر الله وتمكينه.

- أماه – لن ننساك ما بقى القرآن يتلى، وسنة رسول الله تقرأ وتحفظ لأن ذكرَك قد حفظ فيهما.

فرحمة الله وبركاته عليكِ

...

... من وحى القصة ...

1 - مشروعية أخوة الإسلام، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وأن أخوة الدين رابطة عظيمة أقوى من أخوة النسب.

2 - الرخصة في الانقياد للظالم والغاصب، فيمكن أن يقال: لماذا لم تقاوم؟ قد تقاوم وتقتل وتذل وتهان، وهنا رخصة في أن المرأة إذا أجبرت بالقوة على الانقياد إلى ظالم، فإنها إذا لم تجد طريقة للهرب ولا للتخلص، وقِيْدت بالقوة، فإنها تكون معذورة بهذا.

3 - جواز قبول هدية المشرك؛ فإنه لما أعطاها هاجر قَبِلَت الهدية وأقرها إبراهيم، وهو نبي يأتيه الوحي، فأُخِذَت هدية المشرك.

4 - إجابة الدعاء بإخلاص النية؛ فإنها دعت الله تعالى، ففرج الله عنها، والله تعالى يجيب دعوة المظلوم والمضطر، ولا شك أن سارة في ذلك الموقف كانت في اضطرار عظيم، فلما دعت الله وقالت: " اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك " فكانت صادقة مؤمنة فاستجاب الله دعاءها.

5 - مشروعية التوسل بالأعمال الصالحة، فإنها قالت: " اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك، وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر " فتوسلت إلى الله تعالى بالإيمان وبالعفة، فالله سبحانه وتعالى يقبل الدعاء بالأعمال الصالحة، وأنه عز وجل يستجيب.

6 - ابتلاء الصالحين لرفع درجاتهم والتمكين لهم، وإجزال المثوبة من الله إليهم.

7 - أن الإنسان إذا نابه كرب أو وقع في شدة فإن عليه أن يفزع إلى الصلاة؛ فإن إبراهيم الخليل لما أُخِذت منه زوجته توجه إلى الله تعالى وقام يصلي.

وهكذا كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمر صلى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ).

8 - مشروعية الوضوء للأمم السابقة، وليس خاصاً بهذه الأمة ولا بالأنبياء؛ لأن ذلك ثبت عن سارة أنها قامت تتوضأ.

9 - على الإنسان أن يكون حكيماً يحسب للأمر حسابه، فهذا إبراهيم يقول لزوجته: " إذا سألك فأخبريه أنك أختي " حتى لا أكون كذاباً عنده، ولا تتناقض الأقوال.

10 - تواضع سارة لما قالت: " أَشَعَرْتَ أَنَّ اللَّهَ كَبَتَ الْكَافِرَ وَأَخْدَمَ وَلِيدَةً " ما قالت: بصلاحي. بدعائي! بل قالت: " اللَّهَ كَبَتَ الْكَافِرَ ".

11 - التورية مخرج من الكذب كما فعل خليل الرحمن، والتورية: أن تأتي بكلام له معنيان؛ معنى قريب، ومعنى بعيد، فالسامع يتوهم أنك تقصد المعنى القريب، وفي الحقيقة أنك تقصد المعنى البعيد، هذه قضية المعاريض.

وللبخارى – رحمه الله - باب فى صحيحه/ كتاب الأدب/ بَاب الْمَعَارِيضُ مَنْدُوحَةٌ عَنْ الْكَذِبِ، ثم أردف ذلك بمثال: وَقَالَ إِسْحَاقُ سَمِعْتُ أَنَسًا: مَاتَ ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ فَقَالَ: كَيْفَ الْغُلَامُ؟ قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: هَدَأَ نَفَسُهُ وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَرَاحَ. وَظَنَّ أَنَّهَا صَادِقَةٌ.

وهذه المعاريض لا تجوز مطلقاً في ظلم الناس، أو إسقاط حقوق الخلق أبداً، وحذر أهل العلم من استخدام التورية لبيان المهارة وخداع الناس، فهذا مزلق شيطاني، قد يوقع صاحبه في الكذب.

..... وقبل الرحيل ... أختاه .....

***** صبر جميل والله المستعان *****

نساءٌ غيرَ أنَّ لهنَّ نفساً = إذا همّتْ تسهلتِ الصعابُ

فإن تلقَى البحارَ تكنْ سفينا = وإن تردِ السما فهي الشِّهابُ

ضعافٌ غيرَ أنَّ لهنَّ رأياً = يسددهُ إلى القصدِ الصوابُ

وما من شيمةٍ إلا وفيها = لهنَّ يدٌ محامدها خضابُ


هذا ما تيسر جمعه والله تعالى من وراء القصد

... المراجع ...

القرآن الكريم – صحيح البخارى – فتح البارى لابن حجر – شرح النووى على صحيح مسلم – قصص الأنبياء لابن كثير – مسند أحمد – تفسير الظلال – تفسير النسفى – ديوان الرافعى – سلسلة القصص النبوى للمنجد – قصص الأنبياء لأبى عمار

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير