تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

في معرض تقرير العثماني لمسألة جهة عدم فصل الدين عن السياسة عنده كما بيناه قريبا قال:" فكثيرون عندما يسمعون عبارة (فصل الدين عن السياسة) يفهمون منها فصل السياسة عن القيم و الأخلاق، وتركها فريسة الأهواء وأنواع الدجل والكذب .. "!!، مدعيا فيما ذهب إليه من جهة الفصل في ذلك في رأيه حياطة السياسة بحقائق العدل والمساواة والقيم الأخلاقية عموما، مع أن هذا الكلام لا يعدوا أن يكون تخمينا يخالف الحقيقة ذلك لأن فصل السياسة عن الدين عند الممارسة خاصة على ما ذهب إليه حامل على فساد الأخلاق .. والواقع شاهد عليه.

يقول العلامة مصطفى صبري رحمه الله مبينا ذلك:" يُرى أعظم تأثير الفصل في إفساد الأخلاق حيث لا يمكن ادعاء بقاء الأخلاق على نزاهتها في البلاد المقطوعة صلة حكومتها بالدين كما لا يمكن ادعاء وجود واسطة لصيانة الأخلاق من السقوط أفضل من الدين، ولهذا أصبح التقدم المشهود في بلاد الحضارة الجديدة مليئا بالفسق والفجور " موقف العقل والعلم والعالم 1/ 12.

أما تقريره لفصل السياسة عند الممارسة عن أي سلطة دينية فهو من أعجب العجب ذلك لأن حقيقة السياسة ما هي إلا ممارسة وتطبيق، و " الشريعة متى فصلت من السياسة كانت ناقصة، والسياسة متى عريت من الشريعة كانت ناقصة 3 " كما قال أبو حيان في كتابه الإمتاع والمؤانسة 1/ 128.

وهل يتصور أن الشريعة تبين لنا أحكام السواك وآداب قضاء الحاجة، ولا تقرر لنا أحكام وأصول السياسة التي " هي استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي في العاجل والآجل " كما في الكليات للكفوي رحمه الله 510؟!.

قال بعضهم:

ما باله حتى السواك أتى به **** وقواعد الإسلام لم تتقرر

يقول العلامة السعدي رحمه الله عند قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}:" ما أعظم هذه القاعدة، وما أحكم هذا الأصل العظيم الذي نص نصا صريحا على عموم ذلك، وعدم تقيد هذا الهدى بحالة من الأحوال، فكل حالة هي أقوم: في العقائد، والأخلاق، والأعمال، والسياسات الكبار والصغار .... فإن القرآن يهدي لها ويرشد إليها، ويأمر بها، ويحث عليها" القواعد الحسان، القاعدة: 59.

إن عبارة " السياسة الشرعية " لم تكن مقيدة أولا بقيد " الشرعية " انطلاقا من أن السياسة هي الإصلاح، ولا إصلاح إلا بالشرع، فكان إطلاق لفظ " السياسة " بدون قيد كافيا في إفادة المطلوب من عبارة " السياسة الشرعية "، ثم مع ضعف العلم وعدم الفقه الجيد لسياسة الرسول عليه الصلاة والسلام صارت " السياسة " تخالف الشرع، فاحتيج إلى تقييدها بالشرعية لإخراج تلك السياسة الباطلة عن حد القبول، وتسمى السياسة الشرعية أحيانا بالسياسة العادلة، وقد تحدث شيخ الإسلام رحمه الله عن هذا التغيير وبيَن سببه فقال:" لما صارت الخلافة في ولد العباس، واحتاجوا إلى سياسة الناس وتقلد لهم القضاء من تقلده من فقهاء العراق، ولم يكن ما معهم من العلم كافيًا في السياسة العادلة، احتاجوا حينئذ إلى وضع ولاية المظالم، وجعلوا ولاية حرب غير ولاية شرع، وتعاظم الأمر في كثير من أمصار المسلمين حتى صار يقال: الشرع والسياسة 4 ... والسبب في ذلك أن الذين انتسبوا إلى الشرع قصروا في معرفة السنة، فصارت أمور كثيرة إذا حكموا ضيعوا الحقوق، وعطلوا الحدود، حتى تسفك الدماء، وتؤخذ الأموال وتستباح المحرمات، والذين انتسبوا إلى السياسة صاروا يسوسون بنوع من الرأي من غير اعتصام بالكتاب والسنة" مجموع الفتاوي 20/ 392.

ولا يعني هذا الكلام أن السياسة الشرعية مقتصرة على ما وردت بخصوصه نصوص الوحي فقط، كما قرره ابن عقيل رحمه الله عندما قال:" السياسة ما كان من الأفعال بحيث يكون الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يشرعه الرسول عليه الصلاة والسلام ولا نزل به وحي".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير