تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأضاف ابنُ رجبٍ على قولِ ابنِ الصلاح -رحمهما الله- ما نصُّه: «ومِن أنواعِ نصحهم: يدفع الأذى والمكروه عنهم، وإيثارُ فقيرهم وتعليمُ جاهلهم، وردُّ مَن زاغ منهم عن الحقِّ في قول أو عمل بالتلطُّف في ردِّهم إلى الحق، والرفقُ بهم في الأمر بالمعروف والنهيِ عن المنكر، ومحبةُ إزالة فسادهم ولو بحصول ضرر له في دنياه ... وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد وعظوه سِرًّا حتى قال بعضهم: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبَّخه، وقال الفضيل بن عياض -رحمه الله-: المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويُعيِّر، وقال عبد العزيز بن أبي رواد: كان مَن كان قبلكم إذا رأى الرجلُ مِن أخيه شيئًا يأمره في رِفق فَيُؤْجَرُ في أمره ونهيه، وإنَّ أحد هؤلاء يخرق بصاحبه فيستغضب أخاه ويهتك سِتره» (5 - «جامع العلوم والحكم» لابن رجب: (76 - 77)).

كما أنَّ من أعظم أنواع النصيحة أن ينصر أخاه في غَيْبَتِهِ إذا ما ذُكِرَ بسوء أو أريد إذايتُه في غَيْبَتِه، فإنَّ مقتضى النصيحة نصرتُه والدفاع عنه والردُّ على المتسلّط وكفُّ أذاه عنه، فإن النصح في الغيب يعكس صدق الناصح ومحبته للخير، بخلاف النصح في حضوره فقد يُظْهِرُه تَمَلُّقًا ويغشُّه في غيبته (6 - انظر المصدر السابق (77)).

وأسلوب الناصحِ الخطابي ينبغي أن يكون بعيدًا عن الخشونة والفظاظة، إذ لا تَلاَزُمَ بين الصراحة في الحقِّ والغلظة في الأسلوب، وقد أوصى الله تعالى موسى وهارون عليهما السلام بالرِّفق في القول مع فرعون الطاغية حيث قال عز وجل: ?اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى، فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى? [طه: 43 - 44]، وقد كان هديُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعوته وعمومِ تعامله: الرفق المنافي للعنف، والرحمة الرافضة للقسوة، واللين الآبي للفظاظة؛ ذلك لأنَّ العنفَ والقسوةَ والفظاظةَ معانٍ مذمومةٌ شرعًا إلاّ ما استثناه الدليل (7 - تشرع الغِلظة والشدة عند لقاء الأعداء في قلب المعركة، فالصلابة عند المواجهة مطلوبة شرعًا حتى تضع الحرب أوزارها لقوله تعالى: ?قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً? [التوبة: 123]، وكذلك عند تنفيذ العقوبات الشرعية على مستحقيها لقوله تعالى: ?وَلاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ? [النور: 2]، والتغليظ -أيضًا- عند الظلم والتعدي، كما في قوله تعالى: ?وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ? [العنكبوت: 46]، وعليه فلا مجال لعواطف الرحمة ومشاعر اللِّين والرأفة في هذه المواضع استثناءً لقيام الدليل عليها، فدلَّ ذلك على أنَّ الأصل في عموم المعاملات على خلاف الاستثناء) ووسائلُ لا تأتي بخير في الدعوة إلى الله ولا في غيرها، وهذا المضمون أفْصَحَ عنه التوجيهُ الربّاني في قوله تعالى: ?فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ? [آل عمران: 159]، ووصف نبيَّه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله تعالى: ?لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ? [التوبة: 128].

كذا تعلّم السلف الصالح من أسوتهم محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم في أسلوبه ودعوته: الأخذَ بالعزائم والترفُّقَ بالناس والملاطفةَ حين دعوتهم إلى الخير، دون مداهنة أو نفاق أو تعطيل للشرع عملاً بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ» (8 - أخرجه البخاري كتاب «الأدب»، باب الرفق في الأمر كله: (1/ 220)، ومسلم كتاب: «البر والصلة والآداب»: (2/ 1203)، رقم: (2593)، واللفظ له، من حديث عائشة رضي الله عنه)، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير