تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

غايةٌ لا يُسلك إليها طريقُ العلم وحده من غير أن تصاحبه التربية، وأنّ الجمع بين التربية والتعليم هو وظيفة النبوّة التي بيّنها الوحي في آية ?وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ? [البقرة: 151]» (15 - «الآثار» محمد البشير الإبراهيمي: (4/ 173)) ثمَّ يقوم هذا النموذج الحي بإعطاء المسؤولية حقَّها في مجتمعه لئلاَّ تتخطّفَه شياطين الإنس والجن، أو تعصفَ به الأهواء والضلالات وسوء المعاملات والتصرُّفات، ولئلاَّ يقع ظاهره على خلاف باطنه دون تجانس بين المظهر والمخبر والفعل والقول، علمًا أنَّ الصدق والاستقامة من أهم صفات أهل الإيمان، وقد جعل الله مقته وبغضه على من اختل في حقه الصدقُ وانتفى التطابق بين قوله وفعله، قال تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ? [الصف: 2 - 3]، كما ذمَّ أهلَ الكتاب على ذلك فقال سبحانه: ?مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا? [الجمعة: 5]، وقال تعالى: ?يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ? [المائدة: 68]، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا صعد المنبر ينهى الناس عن شيء، جمع أهله فقال: «إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم نظر الطير، وأقسم بالله لا أجد أحدًا منكم فعله إلا أضعفتُ عليه العقوبة لمكانه مِنِّي» (16 - انظر: «تاريخ الأمم والملوك» للطبري: (2/ 68)، «الكامل» لابن الأثير: (3/ 31)، «نهاية الأرب» للنويري: (6/ 221) وقال الشافعي: -وهو يُوصِي وينصح مؤدّب أولاد هارون الرشيد-: «ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح أولاد أمير المؤمنين إصلاحك نفسك، فإنَّ أعِنَّتَهم معقودةٌ بِفِيكَ، فالحُسن -عندهم- ما تستحسنه، والقبيح -عندهم- ما تركته» (17 - «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي: (3/ 187)).

ولله در من قال:

يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ

تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ وَذِي الضَّنَى

ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا

فَهُنَاكَ تُعْذَرُ إِنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى

لاَ تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ

هَلاَّ لِنَفْسِكَ كَانَ ذََا التَّعْلِيمُ

كَيْمَا يَصِحُّ بِهِ وَأَنْتَ سَقِيمُ

فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ

بِالقَوْلِ مِنْكَ وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ

عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ (18 - «الأدب الإسلامي وتاريخه» عابد الهاشمي: (2/ 17))

وأخيرًا، فالإسلامُ في منطلقه الإصلاحي والبِنائي والتوجيهي يقوم على وسائلَ تربويَّةٍ من تقويم المسلم سلوكيًّا، وتكوينِه نفسيًّا، وإعدادِه اجتماعيًّا، ليصير عُضوًا صالِحًا في مجتمعه يتحلَّى باستقامةٍ صادقة وأخلاقٍ فاضلةٍ، ويلتزم بالأدب الاجتماعي الرفيع وبالتعامل الأخوي المبني على البرِّ والتقوى، فيصير تديُّنه مصطبغًا بالفضائل، مترفِّعًا عن الرذائل، مستقيمًا على الشرع، يتولّد منه التصرف الإسلامي الرشيد والاتِّزان العقلي الحكيم، فتنسكب من صلاحه وتقواه النصيحة الصادقة كأبلغ خطبة في دعوة الناس وهدايتهم إلى الحقِّ وإرشادهم إلى الخير.

وحتى لا تزيغ الأفهام وتنحرف عن المقصود، فلست أعني بهذه الكلمة سوى إعطاء الوصف الواقعي للنموذج التربوي الحالي من غير تعرُّضٍ إلى الذوات والأشخاص لا في الداخل ولا في الخارج، وأختم كلامي بما قاله الإمام الرباني ابن القيم -رحمه الله-: «عادتنا في مسائل الدِّين كلِّها: دِقِّها وجِلِّهَا أن نقولَ بموجَبِها، ولا نضربَ بعضها ببعض، ولا نتعصَّبَ لطائفة على طائفة، بل نوافق كلَّ طائفة على ما معها من الحق، ونخالفها فيما معها من خلاف الحقِّ، لا نستثني من ذلك طائفةً ولا مقالةً، ونرجو من الله أن نحيا على ذلك، ونموت عليه، ونلقى الله به، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله» (19 - «طريق الهجرتين» لابن القيم: (582)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير