وأما قول شيخ الإسلام: إن "دبر الصلاة" يراد به آخر جزء منها قبل السلام، فيرده ما جاء من الحديث من تفسير لدبر الصلاة بما بعد السلام منها، وما ورد من الحديث أيضاً بقراءة المعوذات دبر الصلاة بما بعد السلام منها، وما ورد من الحديث أيضاً بقراءة المعوذات دبر الصلاة، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض صحابته بذلك، ومعلوم أن جلوس التشهد ليس محلاً للقراءة، وإنما هو للدعاء والصلاة والسلام على رسول الله بالمأثور من ذلك، فوجب أن يحمل ذلك على ما بعد السلام أن "دبر الصلاة" يراد به ما قبلها وما بعدها، وهذا ما رجحه ابن القيم، ونقلنا قوله في ذلك، قال الحافظ ابن حجر: "فإن قيل المراد بـ"دبر الصلاة" قرب آخرها وهو التشهد؛ قلنا: ورد الأمر بالذكر دبر الصلاة، والمراد به بعد السلام إجماعاً، فكذا هذا حتى يثبت ما يخالفه31 ( http://www.alimam.ws/ref/1636#_ftn31)، واحتج الحافظ أيضاً بحديث: ((ذهب أهل الدثور)) 32 ( http://www.alimam.ws/ref/1636#_ftn32)، وأن فيه: ((تسبحون دبر كل صلاة)) وهو بعد السلام جزماً، فكذلك ما شابهه.
على أنه قد جاءت أحاديث صريحة في دعائه - عليه الصلاة والسلام - بعد الصلاة بلفظ: كان إذا سلم من الصلاة أو إذا فرغ من صلاته أو نحو ذلك، فتكون هذه الأحاديث مفسرة للفظ المجمل المختلف حوله.
وأما الدليل العقلي الذي استدل به أو استأنس به شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم وهو: أن المصلي قريب من ربه في صلاته، والمناسب الدعاء حال قربة، وإقباله على ربه؛ فالجواب: هذا صحيح، والصلاة كلها محل للدعاء، بل هي كلها دعاء إذا نظرنا إلى الاشتقاق اللغوي، لكن لم لا ينظر إلى الصلاة على أنها قربة ووسيلة إلى الله - سبحانه وتعالى -، فإذا قضاها العبد وأداها توسل بها إلى مولاه، وتقرب بها إليه - سبحانه -، وطلب حاجته من الله بعدها، ولم يمنع أحد من الدعاء قبل السلام، ومن المواضع الأخرى في الصلاة كالركوع، والسجود، والقيام وغيرها، حتى يقال: إن المناسب الدعاء في الصلاة لا خارجها: بل إنا نقول: يدعو في الصلاة، ويدعو خارجها بعد الفراغ منها بناء على دلالة الأحاديث، ثم إن مما يستدل به على مشروعية الدعاء بعد الصلاة - فريضة أو نافلة - أنه ليس هناك وقت محدد من الشارع للدعاء يجوز فيه، ووقت لا يجوز فيه كالصلاة، بل الدعاء عبادة مشروعة في كل وقت، ومن منع منه في حال أو زمان أو مكان يحتاج إلى إثبات ذلك بالدليل الصحيح الصريح، فمن يدعو بعد الصلاة أقل أحواله أن يكون متمسكاً هذا الأصل وهو مشروعية الدعاء في كل وقت، فكيف إذا جاءت بالأمر به، والحث عليه؛ أحاديث، ولو كانت مجملة الدلالة على فرض ذلك، والواقع أن هذه الأحاديث لا إجمال فيها، بل بينتها أحاديث أخرى كما سبق بيانه.
والقول بمشروعية الدعاء أدبار الصلوات لا يعني به الذكر أو الدعاء الجماعي من الإمام والمأمومين،، فإن هذا ليس له أصل من عمل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهديه.
والله أعلم.
1 ( http://www.alimam.ws/ref/1636#_ftnref1)- سنن الترمذي (5/ 526) رقم (3499)؛ وسنن النسائي الكبرى (6/ 32) رقم (9936)، وقال الشيخ الألباني: حسن. صحيح الترمذي (3/ 167).
2 ( http://www.alimam.ws/ref/1636#_ftnref2)- تحفة الأحوذي (9/ 331).
3 ( http://www.alimam.ws/ref/1636#_ftnref3)- فتح الباري لابن حجر (11/ 134).
4 ( http://www.alimam.ws/ref/1636#_ftnref4)- المصدر نفسه.
5 ( http://www.alimam.ws/ref/1636#_ftnref5)- المجموع (3/ 488).
6 ( http://www.alimam.ws/ref/1636#_ftnref6) مادة د ب ر (3/ 197).
7 ( http://www.alimam.ws/ref/1636#_ftnref7) مادة د ب ر (1/ 242).
8 ( http://www.alimam.ws/ref/1636#_ftnref8) (2/324).
9 (http://www.alimam.ws/ref/1636#_ftnref9) مادة د ب ر (3/ 197).10 ( http://www.alimam.ws/ref/1636#_ftnref10) مادة دب ر (3/ 198).
11 ( http://www.alimam.ws/ref/1636#_ftnref11)- سورة يوسف الآية 25.
12 ( http://www.alimam.ws/ref/1636#_ftnref12)- سورة الأنفال الآية 16.
13 ( http://www.alimam.ws/ref/1636#_ftnref13)- صحيح البخاري الأذان (808) , وصحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (593) , وسنن النسائي السهو (1341) , وسنن أبي داود الصلاة (1505) , ومسند أحمد بن حنبل (4/ 245) , وسنن الدارمي الصلاة (1349).
¥