قد يحاول المفتري إيراد بعض الاعتراضات على الرد للتشكيك فيه وإظهار ضعفه، ومن المفيد أن يفترض من يتصدى للرد هذه الإيرادات ويتوقعها، ثم يقوم بالرد عليها قبل أن تُطرح، فهذا يعطي للرد قوة زائدة وتحصينًا من الاستدراكات والإيرادات. على سبيل المثال: إذا استدل المفتري بحديث ضعيف، وجاء الرد عليه ببيان ضعف هذا الحديث، وغلب على الظن أن المفتري سيورد إيرادًا مفاده أن عالمًا معينًا قد صحح الحديث، فمن المفيد هاهنا التعرض لهذا الإيراد والرد عليه، قبل أن يطرحه المفتري. كأن نقول: (وقد يقول قائل: إن فلانًا من أهل العلم صحح الحديث، فكيف تقولون بضعفه؟)
ونجيبه -مثلاً- بأن هذا العالم معروف عنه التساهل في تصحيح الأحاديث، وقد استدرك عليه كثير من العلماء المحققين تصحيحَه لهذا الحديث وبينوا خطأه فيه من عدة وجوه. الحادي عشر: إلزام المفتري بما يعتقده والرد عليه من دينه:
إن الافتراءات التي يحاول المفترون كذبًا إلصاقها بالإسلام كثيرًا ما تكون بعينها موجودة لديهم في كتبهم ودينهم وعقائدهم، ويكون رميهم للإسلام بها على طريقة: رمتني بدائها وانسلّت. ومن النافع جدًّا في هذه الحالات إلزام الخصوم بما وجد في كتبهم والاحتجاج عليهم بما تقرره مصادرهم، على أن يأتي ذلك بعد استيفاء الرد من الناحية الإسلامية. على سبيل المثال: يحاول المنصّرون تصوير النَّسْخ في الإسلام على أنه مما يقدح في تمام علم الله وحكمته؛ لأنه يلزم من الإقرار بوجوده القول بالبَداء على الله، ويقصد بالبداء أن الله عز وجل ظهر له من العلم ما لم يكن ظاهرًا من قبل ولذلك تم تغيير الحكم، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون. والرد على ذلك يجب أن يكون بنفي وجود هذا التلازم، وتوضيح أن المسلمين لا ينسبون لله عز وجل البداء بل يعدون القول بذلك من الكفر، وأن ما يعتقده المسلمون هو أن الله حكم منذ الأزل بوضع الحكم المنسوخ لمدة معينة، ثم نَسْخِه بالحكم الآخر بعد ذلك لحكمة أرادها سبحانه. فإذا تم استيفاء الرد من الناحية الإسلامية كان من النافع تقرير وجود النسخ في كتب النصارى وعلى الوجه الذي يحمل انتقاصًا لمعبودهم. فقد جاء في كتاب النصارى في (رسالة إلى العبرانيين، الإصحاح: 7، العدد: 18)، بحسب الترجمة اليسوعية: «وهكذا نسخت الوصية السابقة لضعفها وعدم فائدتها». وهذا النص يثبت وجود النسخ من جهة، ويبين حدوث النسخ بضعف الوصية وعدم فائدتها من جهة أخرى، وهذا انتقاص لمشرّع الوصية وقدح في علمه وحكمته. الثاني عشر: ختام الرد بتلخيص أهم ما جاء فيه من نقاط:
الأصل في الردود أن تكون مختصرة وموجزة على قدر الإمكان، ولكن قد يقتضي المقام إطالة بعض الردود لكثرة جزئياتها وتعدد عناصرها وتنوع الأدلة فيها، وربما تذهل أذهان البعض عن استيعاب كل هذه العناصر والربط بينها، فالكلام قد ينسي بعضه بعضًا، ولذلك فإن من المفيد أن نختم مثل هذه الردود بتلخيص أهم محاورها في نقاط مركزة مرتبة توضح المقصود. وأخيرًا .. أرى من النافع الإشارة إلى سلبيات قد تقع في بعض الردود رغبة في اجتنابها وتحذيرًا من الوقوع فيها، وهذه السلبيات هي:
1 - الدخول في جزئيات وتفريعات بعيدة عن موطن الشبهة وأصل الافتراء.
2 - التطويل الزائد والإسهاب الممل في الرد على الافتراء.
3 - اختصار الرد اختصارًا مخلاً يجعله غير كافٍ.
4 - الانتقال إلى بحث عنصر قبل الانتهاء من بحث العنصر السابق له.
5 - استخدام ألفاظ واصطلاحات غريبة تخفى على جمهور المستمعين.
6 - الرد من دين الخصم وكتبه قبل استيفاء الرد من الناحية الإسلامية
.
7 - غلبة الجانب العاطفي والخطابي في الرد على الجانب العلمي المنهجي.
8 - استخدام عبارات التعميم والإطلاق في الرد دون التوثق من ذلك بالبحث والاستقراء التام، كقول القائل: (لم تأتِ هذه اللفظة في أي حديث) أو (لم يقل بذلك أي عالم قط) أو (لا ينكر ذلك أي شخص في العالم) أو (لم يحدث مثل ذلك في التاريخ كله).
9 - تحوّل الرد إلى مناقشة أمور شخصية لا ينبني على ثبوتها أو عدم ثبوتها حكم أو ثمرة.
10 - الوقوع في التناقض والاضطراب في الرد، كإثبات شيء ثم نفيه، أو قبوله ثم رفضه، ومن ذلك قول القائل في موضع من إجابته إن كلمة النكاح لا تأتي إلا بمعنى الزواج فقط، ثم يعود فيذكر في موضع آخر من الإجابة أنها تكون بمعنى الوطء، وهذا يَسِم كلامه بالتعارض والتناقض، وكان الأولى به من البداية أن يذكر أن النكاح يعني في الأصل الزواج، ولكن يُكْنَى به عن الوطء.
وفي النهاية:
نسأل الله العون والتيسير والتوفيق والسداد، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد خير الأنام، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.
http://www.alukah.net/articles/1/9163.aspx