[صبر الأنبياء وأتباعهم على البلاء - محاضرة للشيخ ابن جبرين رحمه الله]
ـ[مؤسسة ابن جبرين الخيرية]ــــــــ[31 - 01 - 10, 04:23 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد ...
لا شك أن المتمسك بالسنة في هذه الأزمنة لا بد أن يلاقي أذى، ولا بد أن يلاقي تعبا ومشقة، ولا بد أن يُنال منه ولا بد أن يضطهد ويؤذى، فإذا صبر واحتسب؛ فإنه ينال بذلك هذا الأجر، إذا تمسك ولم يبال بمن آذاه، ولم يبال بمن خالفه، ولم يبال بما حصل منه، أو حصل عليه من الأذى أو الاضطهاد أو التحقير، أو أنواع البلاء؛ إذا صبر على ذلك واحتسب فإن أجره كبير، أجره عظيم؛ كما ذكر في الحديث أن للعامل في تلك الأزمنة التي هي زمان الغربة أجر خمسين يعملون مثل عمله، قيل: يا رسول الله خمسين منا أو منهم؟ قال: "بل منكم" أي خمسون من الصحابة هو أجره، وما أعظم الأجر إذا حصل له هذا.
ولكن هذا بسبب أنه جهر بالحق، وأظهر السنة، وتحمل ما أصابه، وعلم بأن هذه سنة الله تعالى في خلقه، في أنه إذا تمسك العبد التمسك الواضح الظاهر؛ فإنه لا بد أن يناله ما يناله، قال الله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة:214].
وحتى الرسل يستبطئون نصر الله، ويقولون: متى يحصل النصر؟ الله وعدنا بنصر ثم قال: {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} فتشتد هذه الأزمات وهذه الأهوال حتى على الرسل وعلى أتباع الرسل، ويكون صبرهم ثمنا للجنة.
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ} أي تحسبون أنكم تدخلون الجنة وأنكم دائما لم يصبكم شيء من البلاء الذي أصاب من قبلكم، ولم تبتلوا بمثل ما ابتلوا به، لا، لا بد أن ينالكم ما تنالون به رضا الله، وما تنالون به كرامته وعليكم الصبر، وعليكم الاحتساب، هكذا أخبر الله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}.
هل تحسبون أنكم ستتركون من غير ابتلاء؟ لا بد من الابتلاء {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا}. [آل عمران:178].
الكفار مثلا قد يعافون، وقد يمد لهم في الأجل، وقد يعطون من القوة ومن التمكين، ولكن لا ينخدعون بذلك ولا تنخدعوا به، لا تنخدعوا بما أوتوه وما حصل لهم من القوة؛ فإن ذلك متاع قليل {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا}. والإملاء هو التأخير، الله تعالى يؤخرهم إلى أجل مسمى ويقول الله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً}. [الكهف:58].
هكذا توعدهم الله أن لهم موعدا وهذا الموعد محدد، الله تعالى هو الذي حدده، لا تستعجل، وتقول: إنه حصل علي وكذا ولم يحصل على فلان أو فلان، بل انتظر إلى أن يحين الأجل الذي حده الله تعالى، الله تعالى قد أخبرنا بأنه لا بد أن يبتلى المؤمن، ولا بد أن يصيبه ما يصيبه، في هذه الحياة ليرفع الله تعالى درجته، وليجزل مثوبته.
لما أوذي الصحابة - رضي الله عنهم - بعدما أسلموا بمكة واضطهدوا، وألقوا في الشمس، وألقيت على صدورهم الحجارة، وضربوا، وأوذوا؛ فكان ذلك دليل على صبرهم، وتمسكهم بالإسلام تمسكا ظاهرا، فعند ذلك أنزل الله تعالى لهم تسلية قوله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:2] يعني هل يحسبون أنهم يظهرون الإيمان، ومع ذلك لا يحصل لهم فتنة؟!
¥